كل المعلومات المتعلقة بنظام القذافي نقلت عبر بطاقة
ذاكرة الكترونية... ومن خلال متعهد طعام. من هنا بدأت الخطة السرية
للسيطرة على طرابلس من قبل الثوار الليبيين، وبدعم من القوى الغربية، في
عملية استغرق التخطيط لها أشهراً.
يدير عبد المجيد مليقطة شركة كانت تؤمن وجبات الطعام للدوائر الحكومية
التابعة لنظام معمر القذافي، بما في ذلك وزارة الداخلية. كان العمل سهلاً،
قال مليقطة، «أقمت علاقات جيدة مع الضباط... أردت أن أخدم وطني». بعد
بضعة أسابيع من اندلاع الانتفاضة ضد القذافي، بدأ مليقطة العمل بشكل سري
لمصلحة الثوار، إذ تمكن من تجنيد المتعاطفين مع الثورة في قلب النظام،
وجمع المعلومات المتعلقة بمراكز القيادة والتحكم في طرابلس، لينقلها إلى
الثوار عبر مجموعة من بطاقات الذاكرة الالكترونية.
حصل مليقطة على البطاقة الأولى، كما يقول، من ضباط في أجهزة الأمن
والاستخبارات التابعة للقذافي، وتضمّنت معلومات عن سبع غرف عمليات مهمة في
العاصمة، بما في ذلك جهاز الأمن الداخلي، واللجان الثورية، والحرس
الشعبي، وجهاز الاستخبارات العسكرية، وفيها أسماء لقادة تلك الوحدات، وعدد
العاملين في كل وحدة، وطريقة العمل داخل كل منها، بالإضافة إلى تفاصيل
مهمة كأرقام لوحات السيارات، ووسائل الاتصال بينها مع القيادة المركزية
التي يشرف عليها رئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي، وسيف الإسلام
القذافي.
بطاقة التخزين تلك، والتي نقلت في ما بعد إلى مسؤولين في حلف شمال
الأطلسي، شكلت الأساس لخطة محكمة للإطاحة بالقذافي والسيطرة على طرابلس.
تلك العملية، التي تطلبت أشهراً من التخطيط، تضمّنت كذلك تجنيد وحدات
تابعة للثوار داخل طرابلس سرياً. تلك الوحدات كانت قادرة على مساعدة
الناتو في تدمير الأهداف الاستراتيجية في المدينة، كغرف العمليات والمنازل
الآمنة والثكنات العسكرية ومراكز الشرطة والآليات المدرعة وأجهزة الرادار
ومراكز الاتصالات الهاتفية. وفي وقت متفق عليه، كان عليها التحرك عندما
بدأ الثوار يهاجمون من كل الجهات.
لم يعمل الثوار منفردين في تلك العملية، التي أطلقوا عليها اسم «فجر عروس
البحر». عملاء سريون بريطانيون تسللوا إلى طرابلس، حيث زرعوا أجهزة
لاسلكية بهدف المساعدة في تحديد أهداف الغارات الجوية وتجنب سقوط ضحايا
بين المدنيين، حسبما قالت مصادر أميركية وحليفة. الفرنسيون وفّروا التدريب
ونقل الأسلحة الحديثة. الأميركيون تدخلوا في لحظة حرجة عبر تأمين طائرتين
من دون طيار للتحليق فوق طرابلس لتحسين قدرة الناتو على شن الغارات. كذلك
كان هناك دور لدول عربية مثل الإمارات وقطر، التي أمدّت الثوار بالسلاح
والتدريب العسكري والمال.
وفي الوقت الذي كان فيه الثوار مستعدين للهجوم الأخير، بدا أنهم كانوا
واثقين في نجاح العملية، حيث كشفوا علناً عن اسمها وموعدها: السبت 20 آب،
عند الساعة الثامنة مساءً، أي بُعيد انتهاء الإفطار في رمضان.
الهدية الرقمية
بدأ التخطيط للعملية في نيسان الماضي، أي بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة.
عقد قائد الثوار محمد جبريل، وثلاثة من كبار القياديين في المعارضة،
اجتماعاً في جزيرة جربة التونسية. هؤلاء الثلاثة كانوا مليقطة، الذي فرّ
من طرابلس وانضم للثوار حيث تولى قيادة إحدى الكتائب، وأحمد المجبري، وهو
مسؤول الشؤون اللوجستية والتموين، وعثمان عبد الجليل، وهو عالم أصبح في ما
بعد منسق خطة طرابلس.
قبل أن يفرّ من طرابلس، أمضى مليقطة نحو شهرين في العمل داخل النظام، حيث
تمكّن من إقامة شبكة من المتعاطفين مع الثوار. يوضح مليقطة، أنه في بداية
الأمر، أبدى 14 ضابطاً في نظام القذافي استعدادهم للمساعدة، لكنهم أصبحوا
72 ضابطاً في ما بعد. ويضيف «كنا نجتمع في منزلي، وأحياناً في منزلَي
اثنين من الضباط... حافظنا على الطابع السري لعملنا، وكان هناك تنسيق مع
اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي».
ويشير العميد عبد السلام الحاسي، قائد غرفة العمليات الأساسية للثوار في
بنغازي، إن أولئك الذين ساعدوا الثوار سرّاً كانوا «الشرطة، والأمن،
والجيش، وحتى بعض الأشخاص داخل الحكومة... قدموا لنا معلومات وأعطوا
إرشادات للناس العاملين معهم بأن يؤيدوا الثورة».
أحد هؤلاء كان البراني أشكل، وهو قائد الحرس في المجمع العسكري للقذافي في
ضواحي طرابلس. على غرار كثر، كان أشكل يرغب في الانشقاق لكن المجلس
الوطني الانتقالي طلب منه البقاء في موقعه، حسبما أوضح الحاسي، لكي يساهم
في مساعدة الثوار على دخول المدينة.
أدركت لجنة التخطيط - التي أصبح عدد أعضائها سبعة بانضمام كل من هشام أبو
حجر واسامة أبو راس وراشد صوان - أن الأهداف التي جرى تمريرها عبر بطاقات
التخزين الالكترونية كانت أساسية في إلحاق الهزيمة بقوات القذافي. وبحسب
مليقطة وأبو حجر، فإن لجنة التخطيط وضعت لائحة بـ120 هدفاً يمكن قصفها من
قبل الناتو قبيل بدء الهجوم.
حمل قادة الثوار أفكارهم إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وعرضوها عليه
في اجتماع عقد في 20 نيسان. كان هذا أحد خمسة اجتماعات عقدت في باريس بين
شهري نيسان وأيار، وقد حضر معظمها قادة عسكريون في حلف شمال الأطلسي.
بعدما عرض خطة الثوار من الألف إلى الياء، سلم مليقطة المسؤولين في الناتو
ثلاث بطاقات تخزين الكترونية: الأولى تضمنت معلومات حول المراكز الرئيسية
للنظام في طرابلس. الثانية تضمنت معلومات محدثة عن مواقع تابعة للنظام،
بالإضافة إلى لائحة بـ65 ضابطاً من قوات القذافي أبدوا تعاطفهم مع الثوار،
وقد تمّ تزويدهم لاحقاً بوسائل اتصال لاسلكية من قبل الناتو. أما
الثالثة، فتضمّنت خطة السيطرة على طرابلس.
أبدى ساركوزي حماسة تجاه الخطة، حسبما أوضح مليقطة ومسؤول آخر في المجلس
الوطني الانتقالي. جهز القادة ألفي مسلح لدخول طرابلس وستة آلاف آخرين غير
مسلحين للخروج في تظاهرات. كانت هناك خلايا مناهضة للقذافي مستعدة
للتحرك، لكن المشكلة كانت في أن ثمة مخاوف من أن تتحرك تلك الخلايا عفوياً
وتسحق من قبل الكتائب الأمنية الموالية للنظام.
في الأشهر الأولى للانتفاضة، تمكّن عدد من الموالين للثوار من الخروج خلسة
من طرابلس والانضمام إلى المقاتلين في مصراتة، لكن المئات منهم بدأوا
يعودون إلى طرابلس منذ أواسط تموز.
كتيبة ما وراء البحار
معظم الذين تسللوا إلى طرابلس استخدموا زوارق الصيد. كانوا مجهّزين بأسلحة
خفيفة وقنابل يدوية وعبوات ناسفة وأجهزة اتصال لاسلكية. معظمهم كانوا من
المتطوعين من الداخل، ومن الليبيين المقيمين في الخارج. بدأت مجموعات
صغيرة في شن عمليات ليلية استهدفت الحواجز الأمنية في العاصمة. كان ممكناً
تهريب أسلحة إلى طرابلس، ولكن كان من الأسهل وأقلّ خطراً شراؤها من
الموالين للقذافي الطامحين إلى تحقيق كسب مادي قبل انهيار النظام، فسعر
بندقية الكلاشينكوف في طرابلس كان نحو 5 آلاف دولار، في الوقت الذي كانت
تباع فيه بـ3 آلاف دولار في مصراتة.
تمكن الثوار أيضاً من اختراق قنوات الاتصال التابعة للحكومة، ونجحوا في
تسجيل ألفي مكالمة بين قادة النظام، بما في ذلك أبناء القذافي، وكانت
مواضيع تلك المكالمات تتراوح بين الأوامر العسكرية والجنس، وقد بث بعضها
عبر وسائل الإعلام التابعة للثوار... أدرك النظام حينها أنه أصبح مخترقاً.
ومن بين ما سجله الثوار اتصالان هاتفيان تم تسليمهما للمحكمة الجنائية
الدولية. الأول كان لرئيس الوزراء البغدادي المحمودي، وقد هدّد فيه بحرق
عائلة السفير الليبي المنشق عبد الرحمن شلقم. أما الثاني فكان بين
المحمودي ووزير الاقتصاد والتجارة، وقد تبادل فيها الرجلان النكات حول
الطريقة التي سيعتمدها عناصر الكتائب الأمنية لاغتصاب النساء في الزاوية
عندما يدخلون تلك البلدة الواقعة في غربي طرابلس.
علاوة على ذلك، بدأت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بإرسال عناصر خاصة لتدريب
الثوار، فيما بدأ ممثلون عن قطر والإمارات في تنظيم الجهود لتزويد الثوار
بالقدرات القتالية اللازمة. معظم عمليات التدريب جرت في الجبال الغربية
التي يسيطر عليها الثوار، لكن عميل الاستخبارات الفرنسي السابق اريك دينيس
أشار أيضاً إلى أن عمليات تدريب للثوار في الشرق جرت داخل ليبيا وخارجها،
وذلك في قواعد تابعة للناتو وأخرى تابعة لدول حليفة.
الإمدادات الفرنسية والعملاء البريطانيون
يؤكد الحاسي أنه لم تشارك أي قوات خاصة غربية في القتال على الأرض. ويشير
إلى أن الدعم الأساسي كان من خلال عمليات القصف الجوي، وهو ما تؤكده لندن
وباريس وواشنطن.
لكن مسؤولاً أوروبياً يقول إن عشرات المستشارين العسكريين الفرنسيين قد
أرسلوا إلى ليبيا، وذلك لتنظيم صفوف الثوار وتدريبهم على الأسلحة الأساسية
والمعدات التقنية المتطورة. وفي أيار، بدأت فرنسا بتزويد الثوار بالأسلحة
في غربي ليبيا.
عملاء سريون بريطانيون قاموا أيضاً بمهمات على الأرض لمصلحة قوات الناتو
قبل سقوط طرابلس، ومن بينها زرع أجهزة اتصال لاسلكية للمساعدة على تحديد
أهداف الغارات.
الدعم القطري
قطر من جهتها لعبت دوراً كبيراً في التحالف مع الثوار، على مستويات عديدة.
والإمارة الخليجية عمدت إلى التخفيف من أهمية دورها، ربما لأنها محكومة
من أمير يتمتع بسلطات مطلقة. لكن على أرض الواقع، كانت الإشارات كثيرة إلى
الدعم القطري. فالأسلحة والمعدات التي نقلها الفرنسيون كانت بمعظمها من
قطر، بحسب مصادر في صفوف الثوار. وفي أيار الماضي، شاهد مراسل «رويترز»
صناديق عليها بوضوح ختم «قطر»، وكانت تحمل داخلها معدات مدفعية الهاون،
بزات عسكرية، أجهزة اتصالات، ومعدات مراقبة. وفي موقع آخر، شاهد المراسل
قذائف مضادة للدبابات من طراز حديث.
وقال مصدر مقرّب من المجلس الوطني الانتقالي إن قرار قطر تزويد الثوار
بالأسلحة جاء بعد إصرار العالم الإسلامي الليبي البارز علي صلابي اللاجئ
في قطر منذ أواخر التسعينيات. وقال المصدر إن صلابي «يشكل الصلة مع
الشخصيات المؤثرة في قطر، وأقنع القطريين بالانخراط».
البنادق الأجيرة
وبعد جمود طال أشهراً على جبهات القتال، يقول مسؤول في وزارة الدفاع
الفرنسية إن «ما غيّر قوانين اللعبة، كان هجوم المروحيات الذي أعطى المجلس
الوطني الانتقالي مزيداً من الحماية من أسلحة القذافي الثقيلة»، فيما أكد
مسؤول أميركي إن الهدف الأميركي كان كسر الجمود الميداني قبل انتهاء
تفويض حلف الأطلسي» في نهاية أيلول الحالي.
وفي 28 تموز الماضي، شكل اغتيال القائد العسكري للثوار عبد الفتاح يونس
مفاجأة كبيرة. ويعتقد البعض أنه عرقل تقدمهم في الشرق، لأسباب تبقى غير
واضحة. وأطلق مقتل يونس على أيدي رجاله تساؤلات كثيرة حول المجلس
الانتقالي وزاد من رغبة الـ«ناتو» في الدفع بالأمور قدماً. وأجبر الغرب
رئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل على إعادة تشكيل حكومته. وبحسب دينيس
الذي أكد علاقته بمصادر في الاستخبارات الفرنسية والليبية، قام الـ«ناتو»
حينها بمساهمة أكبر في التحضيرات. وعن الدور التركي قال مسؤول بارز في
وزارة الدفاع الأميركية إن «الأتراك قدموا في الحقيقة مساعدة كبيرة بطريقة
صامتة».
ومع تراجع معنويات قوات القذافي، بدت النهاية قريبة. وبدأ مقاتلو القذافي
يتبعثرون، ومعهم سلاحه السري: المرتزقة الأجانب. فبعد انطلاق الثورة، جند
القذافي آلاف المرتزقة، وشكل بعضهم نواة قواتها المنظمة. معظم البنادق
الأجيرة جاء من جنوب ليبيا، وتحديداً من تشاد ومالي والنيجر، لكن بعضهم
الآخر كان أيضاً من جنوب افريقيا ودول البلقان.
من بين هؤلاء المرتزقة كان مقاتل بوسني صربي سابق قاتل في سيراليون كمرتزق
وعمل لاحقاً كمتعاقد في افغانستان والعراق. وبعد توظيفه في آذار الماضي،
عمل كمدرب ولاحقاً كقائد لبطارية مدفعية من عيار 102 مم. وقال المقاتل
الذي يطلق على نفسه اسم «كرني» أو الأسود باللغة الصربية، إنه كان يتلقى
بشكل منتظم راتباً بالعملة الغربية التي اختارها.
ويقول «كرني»: «كنت أعلم أن الليبيين يفتقرون إلى النظام، لكن ما رأيته
كان سيئاً جداً مقارنة بما رأيناه خلال حروبنا في يوغوسلافيا السابقة.
إنهم جبناء، على الأقل الكثير منهم كانوا جبناء. والاتصالات كانت تشكل
المشكلة الأكبر، لأنهم لم يكونوا يعلمون كيف يستخدمون أي شيء أكثر تعقيداً
من الووكي توكي، لذلك لجأنا إلى الهواتف المحمولة حين كانت تعمل».
وأكد المرتزق الصربي أنه في بداية آب الماضي، «بدأ كل شيء ينهار». عندها
قامت القوات التي كان في صفوفها بالتراجع أمام تقدم الثوار. ويوضح «تعرضنا
لإطلاق نار من مجموعة منظمة بشكل جيد جداً، وأعتقد أنها كانت مخترقة من
جنود الحلف الأطلسي». وأضاف «بحلول منتصف آب قررت أن ذلك يكفيني. أخذت
عربة رباعية الدفع فيها الكثير من الماء والوقود ومعي ليبيان أثق بهما،
وسافرنا عبر الصحراء إلى بلد مجاور وصلناه بعد 4 أيام».
الجدال حول الـ«بريداتور»
في هذه الأثناء، كان العملاء الأجانب ينتشرون على نطاق واسع في ليبيا. عند
الحدود مع تونس في بداية آب الماضي، التقى مراسل «رويترز» بليبي يتكلم
بلهجة أميركية عرّف عن نفسه بأنه رئيس مركز قيادة الثوار في الجبل الغربي.
وكان رجلان غربيان مفتولا العضلات يرافقانه. قال حينها إنه أمضى وقتاً
طويلاً في أميركا وكندا، لكنه لم يعط معلومات إضافية.
وفيما كان الثوار يتقدّمون إلى الزاوية، التقى المراسل رجالاً بملامح
غربية واضحة في منطقة الجبل الغربي يسافرون في شاحنات قديمة وبسيطة. كما
قال ثوار في نالوت إنهم تلقوا مساعدة من عملاء في الـ«سي آي ايه»، رغم
استحالة التأكد من ذلك.
عملية «فجر عروس البحر» كان مخططاً لإطلاقها في 10 آب، بحسب قائد الخلية
السياسية في وسط طرابلس محمد غولة، لكن «مدناً أخرى لم تكن جاهزة بعد»،
حسبما قررت القيادة مما أدى إلى تأجيل العملية أياماً قليلة.
وانطلق جدال داخل البنتاغون الاميركي حول ما إذا كانوا سيرسلون طائرات
«بريداتور» إضافية من دون طيار إلى ليبيا. ويقول مسؤول أميركي في وزارة
الدفاع «كانت قضية مثيرة للجدل. وكان النقاش يدور حول ما إذا كان من
المنطقي نقل الطائرات من أماكن أخرى لمحاولة الانتهاء بسرعة». وانتهى هذا
الجدال بفوز مناصري إرسال الـ«بريداتور»، وتم نقل اثنتين منها إلى المنطقة
في 16 آب الماضي.
ويقول قيادي في صفوف الثوار «عندما سمعنا بسقوط الزاوية، وبدت زليتن على
وشك السقوط وقبلها غريان، قررنا أن الوقت قد حان». وأكد مسؤولون غربيون
أنه مع سقوط هذه المدن أصبح من الممكن تركيز العمليات الغربية في طرابلس.
ساعة الصفر
وقبل أيام من الهجوم على طرابلس، بدأ البيت الأبيض يسرب روايات إلى قنوات
التلفزيون بأن نهاية القذافي قريبة. لكن مسؤولي الاستخبارات الأميركية،
كانوا يعارضون ويقولون للصحافيين إنهم ليسوا أكيدين من النصر السريع وإن
القتال قد يستمر لأشهر.
وفي 19 آب الماضي، حصل اختراق: عبد السلام جلود، أكثر الوجوه ظهوراً في
نظام القذافي، انشق عن النظام. ويقول مصدر بارز في المجلس الانتقالي إن
جلود كان يحاول الخروج منذ 3 أشهر «كان يطلب مساعدتنا، لكن ذلك كان يشكل
مشكلة لوجستية لأنه كان يود إخراج كل عائلته المؤلفة من 35 فرداً معه».
وبحلول الموعد المناسب، قام الثوار بتهريب جلود عبر الطرق الجبلية التي
يسيطرون عليها، من طرابلس إلى زنتان عبر الحدود مع تونس. ومن هناك توجّه
إلى ايطاليا ثم إلى قطر.
وأعلنت قيادة الثوار استعدادها لمهاجمة طرابلس لكن الناتو أراد التأجيل
قليلاً. ويقول مسؤول أميركي بارز من وزارة الدفاع «بعدما سيطروا على
الزاوية، كنا نتوقع أن يقوموا بوقفة استراتيجية لتجميع قواهم ثم الهجوم
على طرابلس»، فيما قال مسؤول من المجلس الانتقالي «قلنا للناتو إننا
سنهاجم فوراً على كل حال».
عندها خفض التحالف الغربي سريعاً عدد أهدافه من 82 إلى 32، فيما قامت قوات
خاصة من الثوار بضرب بعض غرف القيادة التي لم تكن مرئية كالتي في المدارس
والمستشفيات.
وانطلقت إشارة إعلان الهجوم بعد المغيب في 20 آب، عندما قال رئيس المجلس
الانتقالي مصطفى عبد الجليل في خطابه إن «الخناق يضيق»، وإن «حمام دم
حقيقياً» يوشك على الحدوث. بعد 10 دقائق من الخطاب، بدأت الخلايا الثورية
في أحياء طرابلس بالتحرك. بعض الخلايا كان مرتبطاً بالعملية، فيما كان
البعض الآخر غير مرتبط بها لكنه على إطلاع على الخطة.
في الساعات الاولى، قامت خلايا الثوار بمهاجمة المواقع القيادية
والتجهيزات، فيما قام آخرون بحماية الأحياء، عبر إنشاء حواجز وتحديد
الحركة في المدينة. وانطلقت سفن مليئة بالطعام والذخيرة من مصراتة. وبدأت
قوات الثوار تتقدّم نحو المدينة من الجبل الغربي ومن الشرق.
وصلت طلائع جنود الثوار إلى المدينة خلال ساعات قليلة. ولم يكن الجنود
منظمين، لكنهم لم يواجهوا أي مقاومة تذكر. وقال مصدر في صفوف الثوار إن
القذافي قام بخطأ قاتل عبر إرسال كتائبه الأبرز وقيادييه العسكريين ومعهم
ابنه المعتصم لحماية مدينة البريقة النفطية، معتقداً أن سقوط المدينة في
يد الثوار سيعطيهم زخماً قوياً. لكنه بذلك ترك طرابلس من دون دفاعات قوية،
مما سمح بدخول الثوار إليها بسهولة. وحاولت قوات القذافي استخدام أسلحة
دفاع جوي، لكن طائرات الناتو قامت بتدمير هذه الأسلحة قبل تجهيزها.
السقوط
بحلول الأحد 21 آب الماضي، كان الثوار يسيطرون على الأجزاء الكبرى من
طرابلس. وأعلن المجلس الانتقالي اعتقاله لسيف الإسلام القذافي، لكنه عاد
وظهر ليلاً لـ«يكذّب الشائعات».
ويقول المسؤولون الغربيون اليوم إنهم يعتقدون أن سيف الإسلام لم يعتقل
أبداً. لكن محمود جبريل الذي يلقي اللوم في ذلك على تقارير متضاربة من
صفوف الثوار، اعتبر أن نبأ اعتقال سيف الإسلام «أعطانا مكاسب سياسية. بعض
الدول اعترفت بنا، بعض الكتائب استسلم... وانشق أكثر من 30 ضابطاً».
وفيما انهارت كتائب القذافي، قام متعاطف مع الثوار من الجيش الليبي
باختراق اتصالات قوات القذافي. ويقول مسؤول بارز من المجلس الانتقالي:
«كنا نسمع الهلع في أوامرهم. كانت هذه الإشارة الأولى بأن شبابنا سيطروا
على طرابلس».
ومع تواصل البحث عن القذافي، بدأ المجلس الانتقالي بتطبيق خطة من 70 صفحة،
أعدّت بالتشاور مع الداعمين العسكريين الغربيين، لإعادة الأمن إلى
العاصمة. ويبذل المسؤولون في باريس ولندن وواشنطن جهداً كبيراً ليقولوا إن
هذه الخطة غير مبنية على تجربة العراق أو أي بلد آخر، لكن دروس أخطائهم
في بغداد واضحة في الخطة. (رويترز)