كان للحملة الفرنسية على مصر أثر كبير فى أن يدرك المصريون مفهوم الصراع الدائر بين ثقافتين، ثقافة العصور الوسطى المتخلفة والثقافة الأوروبية الحديثة نتاج الثورة الصناعية الأولى.
ومن هنا إنطلقت الشرارة الأولى لتطوير الصناعة الحربية المصرية الحديثة فى العشرينات من القرن التاسع عشر عندما أسس "محمد على" حاكم مصر فى ذلك الوقت عددا من المصانع لإنتاج الأسلحة الصغيرة والمدافع وبناء السفن الحربية، من منظور بناء مصر كدولة قوية مستقلة، حيث كان إزدهار الصناعة الحربية وتقدمها فى تلك الفترة مرتبطا بقوة نظام الحكم فى البلاد وتحرره من الضغوط الأجنبية وقدرته على صنع القرار وتنفيذه، وكان لهذه النهضة شأنها بكل مقاييس ذلك العصر، فتمكنت مصر من بناء جيش قوى إمتلك السلاح المصنع بأيدى مصرية فبات قادرا على فرض إرادته لتحقيق الأمن القومى المصرى بمنهج حديث، إلى أن تكالبت عليه قوى الاستعمار وتحالفت جميعها على الحد من قوة النفوذ المصرى واتساعه، وتم تحجيم هذه الصناعة الوطنية للسلاح (فرمان 1841)، وكانت قوة العاملين فى هذا المجال فى ذلك الوقت حوالى (70) ألف عامل. وظل هذا الوضع المتردى سائدا حتى أواخر الأربعينات عندما بدأ التفكير فى إعادة بناء الصناعات الحربية فى مصر، نتيجة لما لاقته القوات المسلحة المصرية من صعوبات فى توفير احتياجاتها خلال حرب فلسطين عام 1948.
لقد نشأت الحاجة الملحة بضرورة الإعتماد فى مجال التسلح على التصنيع الوطنى المصرى نتيجة الآثار السلبية التى نجمت عن حرب فلسطين وقضايا الأسلحة الفاسدة التى أشعلت جذوة الشعور الوطنىخلال السنوات التى سبقت قيام ثورة 23 يوليو فقامت وزارة الحربية بتشكيل إدارة فنية من أكفأ ضباط الأسلحة والذخيرة وكذلك من سلاح الصيانة وتم تنظيم التعاون مع مصر بدون شروط مسبقة فى مجال الإمداد بالمعدات والماكينات اللازمة لبناء مصانع الذخائر والتى تم التخطيط للبدء بها فى الإنتاج الحربى.
وهكذا تم الاتفاق بين وزارة الحربية وعدة شركات أجنبية لإنشاء بعض المصانع الحربية لتكون بمثابة اللبنة الأولى من المصانع هو تصنيع الذخائر والمفرقعات.
وقد تم إختيار أماكن إنشاء هذه المصانع فى أقصى ضواحى القاهرة والإسكنرية وبعيدا عن العمران وأماكن الكثافة السكانية بقدر الإمكان، فأختير موقعى شبرا وقها لمصانع الذخائر الصغيرة فى عام 1950، وموقع المعصرة لمصنع الذخائر المتوسطة فى أواخر عام 1951، وموقع الهايكستب لمصنع تعبئة الذخائر الثقيلة فى عام 1952.
مصنع بومبرينى (م / 10 الحربى)
والذى أنشأ عام 1953 بالتعاون مع شركات إيطالية لإنتاج الذخائر وخراطيش الهاونات بأبى قير بالإسكندرية وبدأ إنتاجه عام 1954.
مصنع مانيوران (م / 27 الحربى)
والذى أنشأ عام 1953 بالتعاون مع شركات فرنسية لإنتاج الذخائر وبدأ إنتاجه عام 1954
مصنع الذخائر المتوسطة (م / 45 الحربى)
والذى أنشأ بالتعاون مع الشركة السويسرية وبدأ إنتاجه فى عام 1955.
مصنع بارود المفرقعات (م / 18 الحربى)
والذى أنشأ بالتعاون مع شركة (بوفرز) السويدية لشدة الحاجة لصناعة كيماوية مغذية للمواد القاذفة والمفرقعات، وبدأ إنتاجه عام 1957.
مصنع تعبئة الدانات (م / 81 الحربى)
والذى أنشأ بالتعاون مع إيطاليا لتعبئة الذخائر والفنابل وتم إفتتاحه عام 1952.
وفى عام 1951 أنشىء المجلس الأعلى للمصانع الحربية ليقوم بالدور التخطيطى المركزى وليكون مسؤولا عن تطوير الصناعات الحربية المصرية، وإنشاء الصناعات المغذية لها.ومع بدء دخول هذه المصانع فى مرحلة الإنتاج الفعلى، فقد برزت الحاجه الماسة آنذاك لإنشاء ميادين رماية وتزويدها بالأجهزة المعيارية والمعدات الالكترونية اللازمة لإجراء الاختبارات والتفتيش على المنتجات الحربية من ذخائر وأسلحة مختلفة سواء التى تنتجها المصانع الحربية أو تلك التى يتم شراؤها من الخارج. ولقد بدأ العمل فى إنشاء الميادين المركزية عام 1957 ودخلت مرحلة التشغيل الفعلى عام 1959
ونظرا لأن طبيعة عمل الصناعات الحربية تتميز بشقين وهما الخصوصية والتكاملية مع اعتمادها على قاعدة قوية من الصناعات الثقيلة والمغذية مثل الصناعات المعدنية والصناعات الكيماوية، فقد تم التخطيط للتوسع فى إنشاء المصانع الحربية المغذية، وتم إستكمال خطوط الإنتاج وتطويرها بمصانع الذخائر والمفرقعات ومن هذا المنطلق فقد تم إنشاء المصانع الحربية الأتية خلال الفترة من 1954 وحتى 1981 وهى
مصنع 63 - مصنع 9 - مصنع 99 - مصنع 144 - مصنع 270 - مصنع 360 - مصنع 909 - مصنع999)
أما بالنسبة لمحور نظم المعلومات، فقد كان قطاع الإنتاج الحربى من القطاعات الرائدة على مستوى الدولة والتى تنبهت مبكرا لأهمية نظم المعلومات والحواسب ودورها فى الإدارة الحديثة فتم إنشاء مركز نظم المعلومات فى آواخر الستينات بالتعاون مع الخبرات العالمية فى هذا المجال.
كذلك كان من البديهى أن يقوم قطاع الإنتاج الحربى باستكمال منظومته بهدف توفير الكوادر الفنية والإدارية المتخصصة والقادرة على استيعاب نظم وأساليب وتكنولوجيا التطور الصناعى المتقدم، فتم إنشاء قطاع التدريب عام 1957 بمعاونة تشيكوسلوفاكيا وتطورت أهدافه وطموحاته لتتواكب مع تطور متطلبات التصنيع الحربى المصرى ومسايرته لإتجاهات التسليح الحديثة وتكنولوجياتها المتقدمة فى القرن الحادى والعشرين.
ولعل الطفرة التى حدثت فى هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية لأكبر دليل على الأسلوب العلمى الذى أصبح قطاع الإنتاج الحربى يدار به حاليا.