هل مصر بين الرحايا الإيرانية والإسرائيلية
الإنجاز المصرى بالكشف عن تنظيم حزب الله الإرهابى، يحمل كل يوم
أبعادا جديدة، وسط حملات شيعية مسعورة تشن ضد مصر بالفارسية والعبرية،
ومؤامرات تصيد يهودى مكشوف لجنى ثمار الأزمة تحت شعار مزعوم «أن مصر
وإسرائيل فى خندق واحد ضد حزب الله»، وكان ذلك واضحا فى المقالات
والتسريبات والتقارير المفبركة، ولذلك كان من الضرورى أن يكون الرد المصرى
سريعا وقويا، وبالفعل جاء على لسان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بالتأكيد
على أن مصر لم تتلق أى دعم مخابراتى خارجى لإسقاط هذا التنظيم، ولم ينس أن
يكرر تأكيده أن وزير الخارجية الإرهابى «أفيجدور ليبرمان» لن تطأ قدمه أرض
مصر!.. خاصة أن هذا التصريح فهمه الإسرائيليون جدا لدرجة أن كل الصحف
والمواقع صدرته صفحاتها! لكن لا يعنى هذا أن مصر ستوضع بين الرحايا
الإيرانية والإسرائيلية، حيث نواجه التطاولات الفارسية كما نرصد المؤامرات
الصهيونية، والأداء عال فى هذا السياق، على الأقل حتى الآن، خاصة أن كل
المزايدات مردود عليها، فلو سألنا الآيات السوداء فى طهران وجنوب لبنان
والكويت والبحرين وسوريا، ماذا كانوا يتصورون إننا فاعلون لوصفى الموساد
الإسرائيلى «سامى شهاب» قائد التنظيم الإرهابى بالقاهرة كما قتل عماد
مغنية قيادى الحزب فى دمشق، هل هم يهذون حتى يتصوروا أننا سنسكت مثل سوريا
والسودان التى تعرضت لغارة إسرائيلية بسبب تهريب أسلحة لغزة؟! وفى الوقت
الذى ينشغل الإرهابيون الفارسيون بالرد على السؤال المحسوم، يجب أن نرصد
الحالة التى يريد الإسرائيليون تعميمها، وهى أن مصر وإسرائيل فى مواجهة
حزب الله وإيران، لكن الأصح أن إيران وحزب الله عدو لمصر ليس أقل من عداوة
إسرائيل.. وحاول الإسرائيليون من سياسيين ومحللين الترويج لفكرة العدو
الواحد المشترك، بالدعوة لقتل نصر الله فى الوقت الذى ترددت فيه أنباء عن
اقتراب توجيه اتهام مباشر له فى القضية، ومن هؤلاء الدورزى أيوب القرا
نائب الوزير فى ائتلاف نتنياهو والوزير يسرائيل كاتس الذين حاولا التصيد
بالادعاء أن مخطط حزب الله هذا يستهدف معسكر العرب المعتدلين، بالإضافة
للمدح الإسرائيلى فى القدرات الأمنية المصرية التى أوقعت هؤلاء
الإرهابيين، ويكملون بادعاء أن المخابرات المصرية تطلع الإسرائيلية
بمستجدات القضية! ويبدو أن الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز أبى ألا يشارك
فى هذه الحالة فزعم أنه آجلا أو عاجلا سيدرك العالم أن إيران تريد السيطرة
على الشرق الأوسط، متوقعا أن يجدوا صعوبة فى منع نزاع عربى سنى مع المعسكر
الشيعى الفارسى! والغريب أن حزب الله لم يفكر فى الانتقام من مقتل مغنية
إلا فى مصر، لا فى سوريا، وفى هذا الإطار أجريت عدة استطلاعات للرأى حول
القضية وأبعادها، واحد منها كشف عن أن 67% من العينة يعتبرون هذا أمرا
رائعا حتى يتحد العالم ضد الخطر الإيرانى، بينما وصفه 24% بأنه غضب من
الله لكون إسرائيل محاصرة بالأعداء، و9% فقط قالوا أنهم فى الطريق لقضاء
إجازة عيد الفصح اليهودى فى سيناء ولا يتابع الأخبار! الأكثر سذاجة، أن
الادعاءات الإسرائيلية وصلت لحد أن يفيد تقرير من موقع «ديبكا» المفبرك أن
الموساد يعلم نية حزب الله وإيران في إنشاء بنية تحتية لهما فى سيناء وعلى
طول قناة السويس منذ مطلع ,2006 لتتحول إلى قاعدة إمداد مخابراتية إيرانية
تربط مع محطات السودان وإريتريا والصومال، لمواجهة الأسطول الأمريكى
الموجود بالمنطقة، خاصة فى حالة الهجوم الإسرائيلى - الأمريكى على المنشآت
النووية الإيرانية، ثم بدأت في تهريب الأسلحة لحماس، مشيرا إلى تقرير نشر
فى 17 مارس 2007 حول اختراقات إيرانية على طول قناة السويس، وحذرت إسرائيل
مصر وقتها وفق الزعم الإسرائيلى، ورغم المديح الأمنى الإسرائيلى للقدرات
الأمنية المصرية إلا أنهم قالوا أن العملية المصرية ليست مفاجئة مثل
«عاصفة فى يوم صحو» بل نتيجة جهود أمريكية لمحاصرة التوسع الإيرانى
مخابراتيا ولوجوستيا! ويدعى الإسرائيليون أن هناك آلاف المصريين الذين
تحولوا للمذهب الشيعى، وسيكونون بمثابة مخزن خطير لعناصر حزب الله وإيران
لإثارة القلاقل فى مصر ونشر الثورة الإسلامية والمد الشيعى، مشيرين إلى أن
الإخوان يساندون هذا المد، وعلى الجانب الآخر لم تكن الأبواق الفارسية
والشيعية أقل ضراوة من الأبواق الإسرائيلية ضد مصر، حيث كانت أقل
الاتهامات التى توجه لمصر هى «التخوين»، وكانوا يؤلهون «نصر الله» فى
مقالاتهم ويعبرون عن كل معانى الاندهاش والاشمئزاز من الموقف المصرى منه!
وكان من المنطقى أن تتداخل بعض الأطراف اللبنانية حتى البعيدة عن الصورة
خاصة بعد اتهام حزب الله لمصر بالتدخل فى رسم الخارطة السياسية الداخلية
فى لبنان بتعمد الكشف عن هذا التنظيم الإرهابى فى هذا الوقت بالذات القريب
من الانتخابات للإضرار بصورة الحزب فى الشارع اللبنانى، حتى إن وزير
الخارجية اللبنانى «فوزى صلوخ» دعا لعدم التضخيم وترك الأمر للتحقيقات
والقضاء المصرى، فيما هاجم الشيعة اللبنانيون اتهام التنظيم بنشر الفكر
الشيعى على أساس أنه ليس فكرا حزبيا بل إسلامى، فيما اعتبر البعض اعتراف
نصرالله بانتماء التنظيم للحزب بأنه ضغط نفسى وسياسى على مصر، مؤكدين أن
فكرة المقاومة وسلاحها غير الخاضعة لأى شرط مستمرة لكل الدول العربية
ومنها مصر.. والأكثر غرابة من ذلك أن أي منتقد لنصرالله يطل برأسه فى
الصحف أو الإعلام فهو «نابح» و«مسعور»، واتهموا هؤلاء فى الصحيفة
اللبنانية «الأخبار» المؤيدة للحزب بأنهم يعوون ليحصلوا على بعض الفتات!
داعين من جديد للانقلاب على النظام وجره إلى حروب.. واكتمل المشهد بأنه
شبهوا «سامى شهاب» بعميد الأسرى «سمير القنطار» الذى حررته إسرائيل مؤخرا
فى إطار صفقة تبادل أسرى، أى أن مصر لا تختلف بالنسبة لهم عن إسرائيل!
ويردون على قرب توجيه الاتهام لنصرالله باتهام قيادات مصر بالتواطؤ ضد
غزة، ويقولون: لو كنا وطنيين لكنا قبلنا أن ينقل نصرالله الضاحية الجنوبية
التى تعتبر معقله للقاهرة، فيما استغل البعض تصريح «بيريز» الأسود بأنه
سعيد بالنزاع بين مصر وإيران.. وإسرائيل غير ضالعة فيه، وأيضا تحليلات
«كاتس» حول أن الإيرانيين يحاولون تقسيم المجتمع المصرى للسيطرة عليه،
وقام هو أيضا بتقسيم من نوع آخر، حينما قال: إن المصريين والأردنيين
والسعوديين اكتشفوا أن عدوهم ليس اليهود ولا الصهاينة ولا إسرائيل، بل
آيات الله فى إيران، وفى إطار تحميل مصر مسئولية هذا الاحتفال الإسرائيلى
بهذه الأزمة أشاروا إلى ما قالته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية حول أنها
تشعر بالارتياح تجاه تطورات الموقف بين حزب الله وإيران ومصر وإسرائيل.
فيما استبعد المحللون الإسرائيليون فى «يديعوت أحرونوت» أن تقدم مصر على
قطع علاقاتها بإيران مثل المغرب، لأن هذا سيظهر مصر كمتعاونة ومقيمة
للعلاقات مع إسرائيل، لكن كلما زادت الأزمة زادت المكاسب الإسرائيلية،
وتدور رحا كل ذلك فى الوقت الذى يروج مصريو الجنسية إيرانيو الانتماء إلى
أن الحكاية كلها سوء تفاهم والهدف نبيل والأسلوب خاطئ فقط، وبالتالى من
المهم إنهاء الموقف، بل شكر حزب الله على أنه اخترق سيادتنا بحجة واهية
وهى تهريب الأسلحة للمقاومة رغم أن حرب غزة لم تكن قد بدأت، أى أن هذه
الأسلحة لم تستخدم فيها! إجمالا.. إن هؤلاء الفارسيين والعبريين لو حاكوا
المخطط ضد مصر لما كانوا نجحوا فيه بهذه الطريقة، لكننا لن نقع بين عمائم
الآيات وقبعات الحاخامات، فالأمر كله مسألة وقت للقضاء على كل التنظيم
ومحاصرة حزب الله ومن وراءه، وإسرائيل ومن وراءها بحل الأزمات بين الفصائل
الفلسطينية - الفلسطينية بالحوار العائد بقوة فى مرحلته الثالثة الحاسمة!