أشهر عمليات الموساد
" فرقة خاصة تضم 11 رجلا وامرأة من عملاء الموساد برئاسه رافائيل إيتان
لاختطاف أيخمان إلي إسرائيل"
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
بعد الاحتلال اليهودي لفلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948م,
تشكلت لجنة من داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مهمتها تتبع النازيين
وخاصة من كان يعمل منهم في معسكرات الاعتقال التي خصصت لاحتجاز اليهود,
وبدأ هذا الإخطبوط يمد أذرعه في عواصم العالم باحثًا عن أي أثر لألئك
الهاربين, وبعد تسع سنوات من البحث المتواصل تم العثور على أدولف آيخمان .
ولكن من هو أدولف آيخمان هذا الذى سعت اسرائيل فى اثره كل هذه المده والتى
امتدت لاكثر من اثنتى عشره عاما من البحث والرصد حتى عمليه اختطافه فى شهر
مايو 1960م والتى تعتبر من اهم عمليات الموساد الخارجيه ؟
- سنواته الأولى وحتى انتهاء الحرب :-
وُلد ايخمان في مدينة "سولينغين" الألمانية سنه 1906. وفي طفولته، كان
الأطفال يعيرونه "باليهودي" لميول بشرته الى اللون الداكن إذا ماقورن بلون
البشرة العام للأوروبيين, درس الهندسه بعدها تعلم مهنة التجاره وعمل تاجر
وممثل سياحي في فيينا حتى عام 1933 , انتقل الى المانيا عام 1934 وانضم
لصفوف حزب الوطنيه الاشتراكيه (النازيه)(nsdap) والوحدات الخاصه (sd) . فى
ديسمبر 1939 تولى قيادة القسم ( iv d4) لأمن الرايخ المكتب الرئيسي (rsha)
ومهمته( "ترحيل وتطهير"), حيث عمل مكتبه على عمليات نقل اليهود من ألمانيا
وفي 1937 غادر الى فلسطين لدراسة جدوى ترحيل اليهود من المانيا الى فلسطين،
وعدم حصوله على تأشيرة دخول من السلطات البريطانية حالت دون دخوله الى
فلسطين , توجه بعدها الى القاهرة حيث التقى أحد عناصر منظمة الهاجاناه كما
التقى مع مفتى فلسطين الحاج امين الحسيني , وفي النهاية، كتب ايخمان تقريره
الذي يخالف فكرة ترحيل اليهود بشكل جماعي الى فلسطين لأسباب اقتصادية
ولتعارض فكرة انشاء دولة يهودية مع الفكر النازي.
- بعد انتهاء الحرب :
بعد سقوط ألمانيا النازية وانتحار هتلر في عام 1945م, نجا آيخمان من
محاكمات نورمبرج المعروفة, والتي خصصت لمحاكمة النازيين من مجرمي الحرب
عندما أسقطت عنه المحكمة تهمة الإجرام في الحرب لما استقر في أذهان القضاة
ما قام به آيخمان من مساعدة لليهود وتجنيب الكثير منهم ويلات السجن وربما
الموت, وتمكن من الفرار من السجن بعد ان القت القوات الأمريكية القبض عليه ,
هرب آيخمان من ألمانيا بطرق سرية إلى خارج ألمانيا متنقلا بين عدة دول حتى
استقر به المطاف في عاصمة الأرجنتين, ولم تذكر كتب التاريخ شيئا عن سبب
هروبه رغم تبرئته من كل التهم, وقد يكون هروبه نتيجة الإعدامات وتصفية
الحسابات الدموية التي كانت تحدث في كل يوم في معظم المدن الألمانية.
- عملية اختطاف إيخمان :
كان أيخمان يوصف بأنه الوحش الذي أشرف علي أفران الغاز حيث يزعم الصهاينة
أن ملايين اليهود أحرقوا داخلها وهم أحياء , وقد هرب أيخمان الي الأرجنتين
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وحاول الحياة متنكرا للهروب من ماضيه
النازي. في عام 1957 وصلت إلى الموساد معلومة تفيد أنه تم رصد أدولف إيخمان
في الأرجنتين، وتمّ تكليف رافائيل إيتان بخطف النازي السابق وجلبه إلى
إسرائيل. لقد زيّنوا له العملية وأفهموه أنها سوف تضع جهاز الموساد في
طليعة الأجهزة السرية العالمية، وتعمق عقدة الذنب لدي العالم تجاه اليهود
بسبب أسطورة المذابح النازية أو الهولوكوست ,إذ ربما ليس هناك أي جهاز آخر
يمكن أن يفكر بمثل هذه العملية. كانت المخاطر هائلة، فإيتان سيقوم بالعملية
على بعد آلاف الكيلومترات وبهوية مستعارة ومن دون أي دعم وبوسط معادي إلى
حد ما فالأرجنتين كانت ملاذ النازيين، وبالتالي يمكن للفشل أن يؤدي إلى
السجن، وربما إلى المقبرة. انتظر إيتان مدة ثلاث اعوام قبل أن تتأكد
المعلومة الأولية التي تثبت حقيقة أن الرجل الذي كان يعيش في إحدى الضواحي
البورجوازية لمدينة بيونس أيريس تحت اسم ريكاردو كليمانت هو بالفعل أدولف
إيخمان. تجمّد الدم في عروق رافائيل إيتان عندما أعطوه الضوء الأخضر للشروع
بالعملية. فالعواقب المترتبة على العملية قد تكون شديدة الخطورة. وعلي
الفور، قرر أيسير هاريل رئيس الموساد تشكيل فرقة خاصة تضم 11 رجلا وامرأة
من عملاء الموساد برئاسه رافائيل إيتان لإختطاف أيخمان إلي اسرائيل , وكانت
التعليمات الصادرة لهؤلاء العملاء تقضي بعدم قتل أدولف أيخمان تحت أي ظرف
من الظروف وأهمية أن تتم هذه العملية في الارجنتين دون علم السلطات
الأرجنتينية..استأجرت شركة «العال» الإسرائيلية للطيران، طائرة إنجليزية من
أجل القيام بالرحلة الطويلة إلى بيونس أيريس. يقول إيتان: «أرسلنا أحدهم
إلى بريطانيا، لقد دفع المبلغ المطلوب وحصلنا على الطائرة. كانت الرحلة
تنقل رسمياً وفداً إسرائيلياً للمشاركة في الاحتفال بالذكرى المئة والخمسين
لاستقلال الأرجنتين. ولم يكن أي من أعضاء الوفد يعرف سبب وجودنا معهم،
وكانوا يجهلون أيضا أننا كنا قد جهّزنا زنزانة في مؤخرة الطائرة من أجل وضع
إيخمان فيها عند العودة».
وصل إيتان ورجاله إلى العاصمة الأرجنتينية في أول مايو 1960، ونزلوا في
إحدى الشقق السبع التي جرى استئجارها من أجلهم، وبحيث يتم استخدام إحداها
كسجن مؤقت لإيخمان قبل ترحيله. استؤجرت 12 سيارة من أجل العملية. راقب
إيتان وفريقه إيخمان طيلة ثلاثة أيام وعرفوا أنه ينزل في محطة محددة من
حافلة النقل العام عند زاوية شارع غاريبالدي. وفي مساء العاشر من شهر مايو
1960 قرر إيتان الانتقال إلى التنفيذ يرافقه سائق ورجلان مكلفان بالسيطرة
على إيخمان عندما يصبح داخل السيارة. كان أحد الرجلين قد تلقى تدريبا خاصا
للسيطرة على الأشخاص في الشارع. وكان يُفترض أن يبقى إيتان داخل السيارة
بجانب السائق و«تقديم المساعدة إذا دعت الحاجة». تحدد موعد تنفيذ العملية
في اليوم التالي. ويوم الحادي عشر من مايو وصلت سيارة الموساد إلى شارع
غاريبالدي. لم يكن أحد ينبس ببنت شفة، إذ لم يكن هناك ما يقال. كانت حافلات
للنقل تقف وتكمل سيرها وعند الساعة الثامنة وخمس دقائق رصدوا إيخمان في
إحدى الحافلات. يقول إيتان: «بدا إيخمان متعباً (...). كان الشارع مقفراً.
وسمعت عميلنا الأخصائي بالخطف يفتح باب السيارة قليلا خلفي. وعندما وصلنا
إلى محاذاة إيخمان كان يمشي بخطوات سريعة كأنه في عجلة للعودة إلى منزله
بعد عناء يوم طويل وتناول طعام العشاء (...). كان مقررا أن تستمر العملية
اثنتي عشرة ثانية، ينطلق أثناءها رجلنا من المقعد الخلفي ويمسك إيخمان من
رقبته ثم يدفعه إلى داخل السيارة». وقفت السيارة بمحاذاة إيخمان. استدار
ونظر مندهشاً للعميل الذي انطلق من المقعد الخلفي للسيارة. لكن هذا العميل
مشى فجأة على رباط حذائه المفكوك وكاد يقع على رأسه. وكاد إيخمان أن ينجو
بسبب رباط حذاء مفكوك. أسرع إيخمان الخطى؛ فانطلق إيتان من السيارة. يقول:
«لقد أمسكته من رقبته بقوة رأيت عينيه تجحظان بسببها. ولو أنني شددت قبضتي
قليلا فلربما كنت قتلته. كان مساعدي قد وقف وفتح لي باب السيارة فدفعت
إيخمان على المقعد الخلفي، وتبعه عميلنا. استمرت العملية كلها خمس ثوان».
وقام ايتان بإدخال أحد رجال الموساد إلى المستشفى واستخرجوا له تقريرًا
طبيًا يثبت مرضه وأنه يجب نقله إلى وطنه لتلقي العلاج اللازم, وقاموا
بتزوير بعض الأوراق الثبوتية لآيخمان وزعموا أنه هو ذلك الإسرائيلي المريض
وأنهم بصدد نقله إلى إسرائيل لتلقي العلاج, وقاموا بتخديره وإدخاله الطائرة
دون أن ينتبه له أحد, ودون أن يستطيع الصراخ أو طلب المساعدة, ثم تم نقله
إلى إسرائيل التي شهدت احتفالا بمناسبة القبض على آيخمان إلي حد أن رئيس
الوزراء الاسرائيلي بن جوريون ألقي خطابا أمام الكنيست في مايو 1960 قال
فيه ":يسعدني أن أعلن نجاح أجهزة الأمن الاسرائيلية في القبض علي أحد عتاة
المجرمين النازيين وهو أدولف أيخمان الذي يتحمل مع غيره من قادة النازي
مسئولية الحل النهائي للمشكلة اليهودية عن طريق ابادة ستة ملايين يهودي،
وسوف يتم تقديمه للمحاكمة وفقا للقانون الاسرائيلي.
محاكمة ايخمان واعدامه :لقد رفعت هذه العملية اسم الموساد إلى المراتب
العليا بين أجهزة الاستخبارات العالمية, ثم بدأت محاكمة آيخمان بشكل علني
في (11 ابريل 1961م) وأعلن آيخمان أنه كان ينفذ الأوامر وأنه بالرغم من
الأخطار التي كانت تحوم حول من يخالف الأوامر إلا أنه ساعد اليهود وكان هو
الوحيد الذي خاطر بحياته لأنه ليس من مؤيدي السياسة النازية ضد اليهود,
وطلب آيخمان إحضار الشهود من اليهود الذين ساعدهم والذين كانوا على علم بما
قدم لليهود ولكن طلبه رفض بشكل قاطع, وبعد أن ساءت أحواله وعلم بالمصير
المحتوم الذي ينتظره تقدم بالتماس للسماح له باعتناق اليهودية.وبعد سؤاله
عن الأسباب التي دفعته لهذا الفعل, أصر آيخمان على عدم الكلام إلا أمام
عدسات المصورين وعلى مسامع الصحفيين من أنحاء العالم, وظن اليهود أن أيخمان
يريد استعطافهم بمدح اليهود الدين اليهودي أمام العالم خاصة وأن الحكم
النهائي لم يكن قد صدر بعد في ذلك الحين, فوافق اليهود على هذا الطلب,
وفعلا تم ذلك أمام الصحافة العالمية ووقف آيخمن أمام أجهزة الصحافة
والإعلام وقفة عسكرية فيها من العزة والشموخ ما يفتقر إليه الكثيرون, وقال
الكلمات التي دونت في كتب التاريخ والتي ينبغي علينا تأملها والاستفادة
منها ونحن في هذه الحقبة من تاريخنا والتي نمر بها في أصعب الظروف على
الإطلاق, قال آيخمان
أردت اعتناق اليهودية ليس حبًا فيها, ولا في
إسرائيل, إنما أردت بذلك أن أهتف لنفسي أن كلبًا يهوديًا قد أعدم ليُدرك من
سبقوه من الكلاب ....... وإنه لكم يسعدني قبل أن أموت أن أوجه رسالة
اعتذار للإسرائيليين تحمل كل ندمي وحرقتي وأقول لهم: إن أشد ما يحز في نفسي
أنني ساعدتكم على النجاة من أفران هتلر, لقد كنت أكثر إنسانية معكم, بينما
كنتم أكثر خبثا وقذارة أيها الكلاب, إن أرض فلسطين ليست إرثكم ولا أرضكم,
فما أنتم إلا عصابة من الإرهابيين والقتلة ومصاصي دماء الشعوب, ما كان لكم
إلا الحرق في أفران هتلر لتنجو الأرض من خبثكم وفسقكم ويهنأ الكون بعيدًا
عن رذائلكم, فذات يوم سيأتيكم هتلر عربي يجتث وجودكم اجتثاثا, ويحرق عقولكم
وأبدانكم بأفران النفط ........ أيها الكلاب, يؤلمني أن أشبهكم بالكلاب,
فالكلاب تعرف الوفاء الذي لا تعرفونه, لكن نجاسة الكلاب وحيوانيتها من ذات
سلوككم, إهنأوا ما شئتم بإجرامكم في فلسطين, حتى تجيء اللحظة التي تولون
فيها الأدبار, وتعلو صرخاتكم تشق العنان, فتذوقوا مذلة النهاية التي لا
تتصوروا أنها بانتظاركم, وعندها ستكون الكلاب الضالة أفضل مصيرًا منكم)
.أُدين إيخمان بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقبيل إعدامه في 31 مايو
1962 كان رافائيل إيتان في زنزانة تنفيذ الحكم بسجن الرملة. يقول: «نظر لي
إيخمان وقال لي: سيأتي دورك أيها اليهودي!، فأجبته: ليس اليوم، ليس اليوم».
وكان قد تمّ بناء فرن خاص من أجل حرق جثته؛ وألقي رماده في البحر. لقد حرص
بن غوريون على أن لا يبقى أي أثر منه كي يحول دون قيام الذين يحنّون
للنازية بتكريمه. و كان هذا هو حكم الإعدام الأول والوحيد في تاريخ إسرائيل
حيث ردت محكمة العدل العليا الاستئناف الذي قدمه أيخمان إليها في أيار
(مايو) عام 1962..
Sameer_qodeh@hotmail.com
متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله.