الهند وقوتها الصاعدة في
إفريقيا
كتب د. حمدي عبد الرحمن |
18-04-2010 23:01 توقّفت كثيرًا عند أخبار صفقة بيع الأصول
الإفريقية لشركة الاتصالات المتنقلة الكويتية (زين) باستثناء تلك الأصول
الموجودة في كل من المغرب والسودان.
فقد قامت شركة بهارتي إيرتل
الهندية بشراء أصول "زين" بمبلغ 10.7 مليارات دولار، ويبدو أن السبب
المعلَن هو تأثيرات الأزمة المالية العالمية على سوق الاستثمار الكويتي.
وقراءة
هذا الحدث بغضّ النظر عن مبرراتِه الاقتصادية تعني تراجعًا استراتيجيًّا
عن الإنجازات الخليجية والعربية في مجال الاستثمارات الخاصة داخل
أفريقيا, إذ استطاعت "زين" أن تحلِّق في سماء أفريقيا وتفسح الطريق
واسعًا أمام مزيد من التفاعل العربي الأفريقي في مجالات تحقق النفع
المتبادل للطرفين.
وفي المقابل فإننا أمام مبادرة هندية لاختراق
أفريقيا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية؛ بحيث من المتوقع أن تصبح
الهند خلال السنوات القليلة المقبلة أحد الأطراف الكبرى الفاعلة على الساحة
الأفريقية، ويمكن تلمُّس ملامح هذه المبادرة الهندية من خلال عدة مؤشرات،
لعلَّ من أبرزها: انعقاد القمة الهندية الأفريقية عام 2008؛ بهدف تحقيق
وبناء شراكة استراتيجية بين الجانبين, وزيارة كبار المسئولين الهنود
لأفريقيا؛ ففي العام الماضي قام وزير الخارجية الهندي بزيارة عدة دول
أفريقية، ومنذ بداية العام الحالي قام كل من نائب الرئيس الهندي ووزيري
التجارة والنفط بزيارة لأفريقيا، ولعل ذلك ما دفع ببعض الكُتَّاب لوصف هذا
التوجه الهندي الجديد تجاه أفريقيا بأنه بمثابة "هجوم هندي على أفريقيا".
وتشير
التقديرات الرسمية الهندية إلى أن إجمالي حجم التبادل التجاري (أي
الصادرات والواردات) بين الهند وأفريقيا قد ارتفع من (5.2) مليار دولار
عام 2002 ليصل إلى نحو (39.5) مليارات دولار في عام 2009، ومن
المتوقع أن يقفز هذا الرقم ليصل إلى نحو (55) مليار دولار عام2012.
وتحاول
الهند الاستفادة من رصيدها التاريخي في علاقاتها مع أفريقيا، إننا لا
ننسى أن المهاتما غاندي قد بدأ حملته للعصيان المدني ضد الاستعمار
البريطاني انطلاقًا من جنوب إفريقيا، وقد ساندت الهند حركات التحرر الوطني
في أفريقيا, كما وقفت بجوار حركات مناهضة نظام التفرقة العنصرية.
ولذلك
تسعى الدبلوماسية الهندية إلى تقديم الشراكة مع إفريقيا على أنها مختلفة
عما تقوم به القوى الكبرى الأخرى، إذ عادةً ما يؤكد الخطاب السياسي الهندي
في تعامله مع أفريقيا أن أجندة نيودلهي في حركتها الأفريقية لا تنطلق من
مفاهيم أو مصالح مسبقة، وإنما تسعى إلى المساهمة في تحقيق تنمية ونهضة
البلدان الإفريقية، وللتأكيد على هذا التوجه أعلنت الهند مؤخرًا عن إقامة
(19) مؤسسة لتنمية الكفاءات والموارد البشرية في إفريقيا، وذلك تطبيقًا
لمقررات القمة الهندية الأفريقية عام 2008، وتشمل هذه المؤسسات المعهد
الهندي الإفريقي للتجارة الخارجية, والمعهد الهندي الإفريقي للألماس,
والمعهد الهندي الإفريقي لتكنولوجيا المعلومات.
وعلى الرغم من
أهمية هذه المشروعات والمبادرات الهندية في إفريقيا فإنه يصعب القول بعدم
وجود أهداف تجارية ومصالح أخرى تقف وراء هذا التحرك الهندي في إفريقيا،
فالهند تعدُّ من القوى الدولية الصاعدة, وهي تحاول بكلّ ما وسعت من قوة
لأن تحقق أمنها في مجال الطاقة؛ إذ من المتوقع أن تصبح الهند بحلول عام
2030 ثالث دولة في العالم من حيث استهلاك الطاقة، وعليه فإن شركات النفط
الهندية مثل مؤسسة النفط والغاز الطبيعي, ونفط الهند, وإيسار للنفط قد
حصلت على استثمارات مهمَّة في مختلف أنحاء إفريقيا، وعلى صعيد القطاع
الخاص الهندي فإنه يُلاحظ وجود استثمارات هندية ضخمة في كل من إثيوبيا
وأوغندا وأنجولا وموزمبيق وناميبيا.
وتحاول الهند أن تجد لنفسها
آلياتٍ خاصةً لتعزيز التعاون والشراكة مع إفريقيا، ففي الفترة من 15 إلى
16 مارس 2010 استضاف اتحاد الصناعات الهندية -وبدعم من الحكومة
الهندية- الاجتماع السادس لمشروع الشراكة الهندية الأفريقية في العاصمة
نيودلهي تحت عنوان: "نحو رؤية لتعزيز التعاون"، وقد شارك في هذا الاجتماع
نحو 1000 وفد ونحو 380 مشاركًا يمثِّلون حوالي (43) دولة أفريقية، وذلك
لمناقشة التبادلات المالية والمشروعات الاستثمارية التي بلغت قيمتها نحو
(10) مليارات دولار, وهو ما يجعله واحدًا من أكبر المنتديات التي يلتقي
من خلالها الساسة ورجال الصناعة في كل من الهند وإفريقيا.
ومن
الملاحظ أن هذا الملتقى الهام قد عُقد في دوراته الخمس الماضية في كل من
الهند وإفريقيا، وهو يكتسب أهميته الكبرى من حيث متابعته لخطة العمل بين
الهند والاتحاد الإفريقي, كما أنه يقدِّم خارطة طريق للحكومة الهندية،
وهي تعدّ للدورة الثانية من القمة الهندية الأفريقية والمزمع انعقادها في
العام القادم.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في مدى
اختلاف التوجُّه الهندي في إفريقيا عن نظيرِه الصيني؟ وهل هناك حقًّا
اختلاف؟ أم أننا أمام نموذج واحد لأطراف دولية تسعى إلى اكتساب النفوذ
والسيطرة على حساب إفريقيا؟
وبعبارة أخرى هل يمكن القول بوجود تنافس
هندي صيني على موارد إفريقيا وثرواتها الطبيعية؟ ومع ذلك فإن ما يلفت
الانتباه حقًّا هو أن كثيرًا من الكُتَّاب الأفارقة لا ينظرون إلى التحرك
الهندي في إفريقيا بنفس الدرجة من الشكوك التي يحيطون بها السياسات الصينية
والغربية تجاههم.
المصدر: الإسلام اليوم