الحجاج بن يوسف الثقفي ( المفترى عليه )اجزاء اعداد مجد الغد
AddThis Social Bookmark Button
يلاحظ الدارس أن العصر الأموي لم ينل حقه من الإنصاف وخاصة الحجاج الذي وُصِف بكل رذيلة وجُرّد عن كل فضيلة، علماً أنك إذا نظرت في سياسته وجدته سائساً لا يخدع، ومقداما لا تشق عصاه وخصما يدين له الأعداء بالتسليم والإذعان، وإذا بحثت في إدارته وجدته إدارياً حازماً، وإذا قصدت تدينه وجدته زاهداً ورعاً، وإذا طلبت منه علماً وجدت جودة حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف إلى علم بالأحكام، وإذا طرقت باب إصلاحه وجدته من أعظم المصلحين، قد مثَّل دوراً عظيماً من أدوار حياة الأمة الإسلامية فجمع كلمتها ونظم جهادها وقرر مصيرها.
كانت ولاية الحجاج للعراق تتطلب حزماً وعزماً؛ فقد كان عصره يموج بالثورات والاضطرابات؛ فأعاد الجماعة السياسية في الدولة مرة ثانية.
ولي شؤون العراق بعد فتنة الزبير التي كادت تأتي على الخلافة الأموية، وأبى أن يساهم مع المهلب بن أبي صفرة في حرب الخوارج الذين كانوا منتشرين في العراق يتربصون بالخلافة الدوائر.
فكان من الطبيعي أن يظهر بمظهر خشن وأن يلبس ثوب الأسد، وأن يعاملهم تلك المعاملة التي وصفت بالقسوة، وإن كانت - في نظري وفي نظر كل منصف – لا تستحق هذا الوصف، فقد أدب العصاة ووطّد أمور البلاد، وهل ينجح الساسة بغير هذا ؟؟
ويكفي إصلاحاته الإدارية وسياسته وفتوحاته التي لم تصل إليها البلاد لا من قبله ولا من بعده.
إذن:
لم كل هذا التجني على الحجاج والحكم عليه حكماً قاسياً من وصف بعدم التدين إلى اتهام بالوحشية حتى ليخيّل إلى القارئ أن الحجاج ليس من بني الإنسان ؟!!
لقد كان الحجاج ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً معه روح العصر الذي يكتبون فيه؛ ونرى أننا كلما ابتعدنا عن عصره كثرت المفتريات والأباطيل.
ومن الإنصاف أن نتكلم عن العصر الذي عاش فيه الحجاج، وعن وضع الدولة والشعوب التي وليها فيما بعد:
نشأ الحجاج في عصر بني أمية وهو عصر كان يعج بالثورات والفتن؛ لكثرة الأحزاب السياسية وتباغضها وتنافرها؛ حيث انقسم الناس بعد مقتل سيدنا عثمان- - إلى شيعة على رأسهم سيدنا علي بن أبي طالب- وأمويين على رأسهم سيدنا معاوية – -.
وكلنا يعلم أن تنافس هذين الحزبين على الخلافة وقضية التحكيم التي انتصر فيه سيدنا معاوية وعلى أثرها انقسم أصحاب سيدنا علي – م أجمعين- إلى فرقتين:
فرقة مصرته وآزرته وأخرى خرجت عليه وعلى معاوية ( الخوارج).
وواكب ذلك أحداث انتهت بمقتل أمير المؤمنين علي ، وانتهى الأمر بتنازل سيدنا الحسن عن الخلافة لسيدنا معاوية، وكان العراق في عهده من أنشط الأقاليم العربية في السياسة؛ إذ كان فيه قوتان كبيرتان من قوى المعارضة:
الشيعة ومقرها الكوفة( كانوا يرجفون ببني أمية ويلعنون معاوية على المنابر ويضايقون عماله ويطردونهم).
الخوارج في الكوفة والبصرة وغيرهما(أخافوا الناس وزلزلوا الأمن في المدن والقرى).
وعلى أثر ذلك ظل هذا الأقليم منبع كثير من الأحداث والفتن فرماهم سيدنا معاوية بداهيتين من دهاة العرب:
المغيرة بن شعبة : ولي الكوفة، كان يرخي للناس حبل السياسة حتى يشدوه، فإذا رامو قطعه عاجلهم بضربة منه توقفهم عند حدهم، وأحياناً كان يتألف الخصوم بالمال، ولكن سياسة المسالمة لم تفد فقد اضطر أخيراً إلى أن يجرد سيفه من غمده، ولكنه مات سنة 50فضم معاوية الكوفة إلى زياد بن أبيه.
زياد بن أبيه: ولي البصرة وخرسان وسجستان، كان أشد من المغيرة وأقوى، وتدرك ذلك من قول في خطبته: < لين في غير ضعف وشدة في غير عنف، المحسن يجازى بإحسانه والمسيء يجازى بإساءته> وفي عهده سكنت الحالة في العراق حتى توفي سنة 53هـ فولي بعده ابنه عبيد الله.
وفي عهده كاتب العراقيون الحسين بن علي طالبين منه الحضور لمبايعته بالخلافة وزينوا له الأمر فسار إليهم وعندما وصل كربلاء خذلوه كما خذلوا علياً والحسن من قبل، وبعد ذلك خرجت منهم فرقة ( التائبين) برئاسة سليمان بن صرد لمحاربة قتلة الحسين، وتمكن المختار بن أبي عبيد من جمعهم فيما بعد لمحاربة قتلة الحسين، وتمكن من قتل معظمهم، ولكنه قتل على يد مصعب بن الزبير الذي كان العراق تحت إمرته.
عبد الله بن الزبير رضي الله عنه
، وتمكن من أخذ البيعة سنة 63، وقد صادفت دعوته نجاحا في الحجاز والعراق ومصر وظهر بذلك في الجو السياسي حزبٌ رابع هو حزب الزبيريين.
وفي هذه الأثناء حدث الانقسام في البيت الأموي وانتقلت الخلافة من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني.
في هذه الحقبة قضى الحجاج طفولته سامعاً ومشاهداً لتلك الحوادث، وللشؤون السياسية والأحداث الاجتماعية الأثر الكبير في تكييف عقول الناس وأخلاقهم.
ولقد أثرت هذه الأحداث في نفسه تأثيراً كبيراً، وفي خضم هذا الجو الذي كان يعج بالثورات والفتن ولي الحجاج بن يوسف الثقفي قيادة الحملة التي وجهت إلى الحجاز ضد عبد الله بن الزبير، فانتصر عليه وأسندت إليه حكومة الحجاز، فتحمل المسؤولية مبكراً ملتمساً سبيل الشدة والحزم كي لا يسقط في إدارته سقطة لا تقوم له بعدها قائمة.
لم تطل إقامته بالحجاز فقد اختاره عبد الملك لولاية العراق.