نشأة الجيش السعودي شديدة التواضع وتفتقر إلى أبسط الإمكانيات، وذلك منذ أن أحكم " الملك عبد العزيز" السيطرة على الرياض مستعينًا برجال الحاضرة كنواة لتكوين الجيش العربي السعودي.
فما قصة هذا الجيش، وكيف نشأ وتطور؟
* نشأة الدول وسقوطها..
توافقت رغبات محمد بن عبد الوهاب مع طموحات محمد بن سعود، فتم التحالف التاريخي بينهما. وعقب كل غزوة كان يشنها الطرفان على جيرانهم كانوا يقومون بتوزيع الغنائم على النحو التالي: الخمس لابن سعود، وثلث للمشاة وثلثان للخيالة، والباقي للجند.
وعندما تأسست الدولة السعودية الأولى أو "السلطنة النجدية" عام 1744 كانت عاصمتها الدرعية وشملت أجزاءً كبيرة من شبه الجزيرة العربية إلى أن سقطت على يد القوات التركية العثمانية بقيادة إبراهيم باشا عام 1818 الذى عيَّنه محمد على باشا- والي مصر- قائدًا للحملة العثمانية المصرية ضد آل سعود والتي جرت بين أعوام 1816م و1819م، خاضت خلالها معارك ضارية في نجد، وانتهت باحتلال الدرعية وهدمت قصورها ومبانيها وقتل أمراءها وأسر بعضهم وأرسلوا إلى تركيا وتم إعدامهم في استانبول في نوفمبر 1818 م.
وقامت الدولة السعودية الثانية- لكن بشكل محدود- بين عامي 1824 و1891، وكان للأمير تركي بن عبد الله دور أساسي في إنشائها، وجعل عاصمتها الدرعية، لكن تلك الدولة سقطت عام 1891 على يد محمد العبد الله الرشيد حاكم حائل. وتم نفي آخر أمرائها الأمير عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود وابنه عبد العزيز إلى الكويت التي كانت تتبع ولاية البصرة العراقية.
أما الدولة السعودية الحديثة فنشأت في البداية حول منطقة الرياض في 15 يناير 1902 بعد أن سيطر عبد العزيز آل سعود على الرياض بعد معركة خاطفة شارك فيها ستون رجلاً من جنوده على قصر المصمك وأمير الرياض من قبل ابن رشيد، وفى الأعوام من 1910 إلى 1912 تمكن من ضم القصيم، وتبعتها الأحساء في 1913.
* جيوش الجهاد والإخوان..
بعد أن أحكم عبد العزيز السيطرة على الرياض نظم جيشه وزيادة عدده فيما بعد إلى فرق محاربين شكلت من جيش الجهاد (رجال الحاضرة) وجيش الإخوان (رجال البادية) فكان ذلك أول بداية لتكوين الجيش العربي السعودي.
وبانتهاء مرحلة توحيد أقاليم المملكة أعاد الملك عبد العزيز تنظيم الحاميات العسكرية فى الحجاز فصدر تشكيل مفرزة ينبع ( 5 مايو 1926 ) من قسم مدفعية وقسم رشاش، وفى العام التالي صدر تشكيل حامية جدة.
وفي عام 1929م شكل الملك عبد العزيز أول نواة لوحدات الجيش السعودي النظامي من ثلاثة قطاعات سميت أفواج المشاة والمدفعية والرشاشات (الفوج يعادل كتيبة تعدادها من 659 إلى 962 فردًا) – وكان قطاع الرشاش يتكون من أربع سرايا- (السرية حوالي 112 فردًا، وثمان قطع رشاش- بعض أسلحتها من تلك التي غنمها الملك عبد العزيز من خلال المعارك التي خاضها في كفاحه).
وقد نمت تلك القوة تدريجيًا بجانب جيش الجهاد والإخوان إلى أن أسس الملك عبد العزيز مديرية للأمور العسكرية تعني بشئون الجند وتشرف على القوة النظامية مقرها الرئيسي بمكة. وبعد تكوين ذلك الجيش الفتى استعرضت وحداته أمام الملك عبد العزيز بمدينة جدة عام 1930م.
وأدت زيادة عدد القوات السعودية وكثرت الأعباء الإدارية والتنظيمية إلى تشكيل وكالة للدفاع عام 1934م مقرها الطائف. كما تم إعادة تشكيل وحدات الجيش إلى سلاح المشاة، وسلاح المدفعية، وسلاح الفرسان، وشكلت منها أفواج- كتائب- وألوية زودت بالأسلحة من رشاشات ومدافع ووسائل النقل وأجهزة اللاسلكي ووزعت على أنحاء المملكة حسب الحاجة الدفاعية، وأنشئت لها مدرسة عسكرية في الطائف عام 1934م لتخريج العسكريين وتدريبهم.
وفي عام 1939 ألغيت مديرية الأمور العسكرية وشكلت رئاسة أركان حرب الجيش المرتبطة بوكالة الدفاع، فبدأت بتنظيم الجيش وتوحيد الزي العسكري لمنسوبيه وتحديد الشارات المميزة له.
كما تَمّ تشكيل أول فرقة مدرعة ألحقت بالحرس الملكي بالرياض بعد إتمام تدريبها، بعدها شكلت الفرقة الأولى للخيالة- الفرسان-، ثم أول فوج مشاة متكامل. وانتقلت رئاسة هيئة أركان حرب الجيش إلى الرياض تبعًا لوكالة الدفاع.
* نشأة وزارة الدفاع والجيش النظامي..
ونتيجة للتوسع الهائل في أعمال الدفاع وزيادة متطلباته، صدر بتاريخ 10/11/1943 م مرسوم ملكي بإنشاء وزارة للدفاع بدلاً عن وكالة الدفاع، وعين الأمير منصور بن عبد العزيز أول وزير لها.
بعد تلك الخطوة بدأت السعودية في استقدام الخبراء العسكريين في مجالات التدريب المختلفة، كما تم ابتعاث عدد من منسوبي الجيش السعودي إلى البلاد العربية والصديقة للدراسة والتدريب، وأسست أولى المدارس للإشارة واللاسلكي، ومدرسة للصحة والإسعاف.
وبعد وفاة الأمير منصور في 2 مايو 1951 عين خلفًا له الأمير مشعل بن عبد العزيز وزيرًا للدفاع في 12 مايو 1951. وبتاريخ 9 نوفمبر 1953 توفي الملك عبد العزيز وخلفه ابنه الأمير فهد بن سعود بن عبد العزيز، ثم تولاها من بعده الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز.
وكانت بداية التطور الحديث للقوات السعودية عندما عين الأمير سلطان بن عبد العزيز وزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًا للجيش في 31 أكتوبر 1962.
ويتكون الجيش السعودي من الأفرع التالية:
-القوات البرية.. أولى الملك عبد العزيز عناية خاصة للقوات البرية منذ البداية. فبعد أن وحد المملكة نظم فرق المقاتلين وصهرها في بوتقة عسكرية نظامية، وتحولت إلى نواة الجيش السعودي النظامي عام (1925 م). ثم تشكلت رئاسة أركان حرب الجيش عام (1939 م).
تتكون القوات البرية من عدة قيادات أسلحة وكليات ومعاهد ومدارس وتشكيلات وإدارات وأفرع ومجموعات مختلفة. ويتم تخريج ضباطها من كلية الملك عبد العزيز الحربية، وتشمل المدن التالية:
- مدينة الملك فيصل العسكرية: أنشأت بالقرب من مدينة خميس مشيط في المنطقة الجنوبية بتاريخ 24 رجب 1391 هـ.
- مدينة الملك عبد العزيز العسكرية: أنشأت في المنطقة الشمالية الغربية، وافتتحها الملك فيصل عام 1393 هـ.
- مدينة الملك خالد العسكرية: أنشأت في حفر الباطن بالمنطقة الشمالية، ووضع حجر أساسها الملك خالد عام 1396هـ.
- مدينة الملك فهد العسكرية: أنشئت في المنطقة الشرقية، وافتتحها الأمير سلطان بن عبد العزيز في عام 1409 هـ.
- القوات الجوية.. بدأ بناؤها بقدرات بسيطة منذ سنة 1354 هـ، عندما أرسل الملك عبد العزيز البعثة الأولى إلى إيطاليا لدراسة الطيران، وعند عودتهم منحوا رتبة ملازم أول طيار وكانوا نواة (سلاح الطيران الملكي السعودي).
وفي تلك السنة أهدت الحكومة الفرنسية إلى الملك عبد العزيز طائرة نقل. كما أهدته الحكومة البريطانية ثلاث طائرات سنة (1937م)، وتعاقدت الحكومة السعودية معها على إنشاء مطار جدة وتم الانتهاء منه عام (1939م).
وبعد الحرب العالمية الثانية حصلت المملكة على (14) طائرة من طراز (DAKOTA) وطائرات (BRISTOL) تعمل على الرحلات الداخلية، وتم إنشاء خط طيران منتظم بين المملكة وكل من مصر وسوريا ولبنان.
وفي سنة 1947 م تم افتتاح مدرسة أعمال المطارات في جدة. ثم ابتعثت مجموعة من الطلبة إلى انجلترا بعد أن أكملوا تدريبهم الأول في مطار الحوية على طائرات إنجليزية من طراز "تايجر ماوث ". وتبعهم مجموعة أخرى إلى الولايات المتحدة.
وعقب تخرج الدفعتين الأولى والثانية من بريطانيا في 1951م تم تشكيل القوات الجوية المعاصرة رسميًا وكانت تابعة لمكتب شئون الطيران بوزارة الدفاع.
ورفع أول علم لسلاح الطيران السعودي على سارية أول حظيرة للطيران التي أنشئت في جدة فى 5 نوفمبر 1952 م وظهرت بذلك مدارس سلاح الطيران في جدة عام 1372 هـ وتعتبر النواة الأولى لتدريب وتخريج الطيارين والفنيين بالمملكة. تلتها العديد من المدارس الفنية لسلاح الطيران، بعدها بدأ التخطيط لإنشاء كلية تتسع لإعداد كبيرة من الطلبة وهي كلية الملك فيصل الجوية التي حلت محل مدارس سلاح الطيران.
وفي أول عهد الملك فيصل بدأ وضع خطة لسلاح الطيران الجوي شملت أسلحة وأجهزة متطورة وإنشاء كلية الملك فيصل الجوية أثناء تخريج الدفعة 26 من طلبة كلية الملك عبد العزيز الحربية في 7/3/1387 هـ.
بعد ذلك أبرمت الحكومة السعودية عقودًا مع عدة دول غربية لتطوير وتحديث القوات الجوية، مع تطوير القواعد الجوية وتوسيعها واستحداث قواعد جديدة. وتم تخريج ضباط القوات الجوية من (طيارين وفنيين ومراقبين وكل التخصصات الجوية) من كلية الملك فيصل الجوية.
ومن أهم القواعد الجوية السعودية الحالية: (قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران- قاعدة الملك فيصل بتبوك- قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف -قاعدة الملك خالد الجوية بخميس مشيط- قاعدة الرياض الجوية- قاعدة الملك عبد الله بجدة- قاعدة الأمير سلطان بالخرج.
* القوات البحرية.. بدأ الإعداد لتأسيسها بابتعاث الضباط والأفراد لتدريبهم وتأهيلهم منذ الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. ومرت بالمراحل التالية:
- الابتعاث للخارج.. كان الابتعاث بوجه خاص إلى دولتي مصر وباكستان ثم الولايات المتحدة وفرنسا، حتى تم اكتمال مراحل التدريب الأساسية والمتقدمة، ثم تولت القوات البحرية أداء المهام الخاصة بالتدريب والتأهيل والبناء في الداخل.
- شراء المعدات وتأهيل الأفراد.. منذ السبعينات عملت السعودية على شراء معدات وزوارق من ألمانيا الاتحادية والولايات المتحدة (مثل الوحدات السطحية، والدفاع الجوي، وتحت السطح، والمشاة). كما تم بناء قاعدتين بحريتين على ساحل البحر الأحمر والخليج العربي.
ومنذ مطلع الثمانينات، حتى عام (2000). أطلقت السعودية بالتعاون مع فرنسا مشروع "الصواري"، تم بموجبه الحصول على التدريب وعلى السلاح، من فرقاطات مقاتلة ضد الأهداف الجوية السطحية، وتحت السطحية. والطيران البحري العمودي، وسفن الإمداد والتموين التي يسرّت للوحدات البحرية البقاء والإبحار لآلاف الأميال. كما تم بناء قواعد مساندة في كل من رأس مشعاب، والدمام، والقضيمة، لتأمين متطلبات القوات البحرية العلمية والإسناد الإداري والتمويني والعملياتي. ويتم تخريج ضباط القوات البحرية من كلية الملك فهد البحرية.
ومن أهم الأساطيل البحرية الحالية: الأسطول الشرقي: قاعدة الملك عبد العزيز البحرية، في الجُبيل افتتحت في 22 نوفمبر 1980 م- والأسطول الغربي: قاعدة الملك فيصل البحرية في جدة افتتحت 1983.
* الدفاع الجوي.. نشأ في عام 1955 م، ضمن تشكيل سلاح المدفعية. وكان تسليحه، آنذاك، مدافع خفيفة عيار 30 مم ومدافع عيار 40 مم، وبعد فترة انضمت للخدمة مدافع ثقيلة 120 مم و90 مم المضادة للطائرات.
وفي عام 1966 م، تقرر فصل الدفاع الجوي عن سلاح المدفعية، وأصبح سلاحًا مستقلاً بذاته، بعد أن اتسعت تشكيلاته وزادت مهامه. وفي العام نفسه دخلت منظومة الدفاع الجوي الصاروخي إم آي إم-23 هوك.
وفي عام 1984، صدر أمر ملكي بأن يكون الدفاع الجوي قوة مستقلة رابعة باسم "قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي" نظرًا إلى اتساع مناطق مسؤولياتها، وتشعب علاقاتها مع أفرع القوات المسلحة الأخرى، ويتم تخريج ضباط قوات الدفاع الجوي من كلية الملك عبد الله للدفاع.
* الصواريخ الاستراتيجية.. هي قوة سرية أنشئت في أواسط الثمانينات من القرن الماضي من مشروع الصقر الصاروخي الاستراتيجي وتمتلك حوالي 100 صاروخ بالستي ويتخرج ضباط هذه القوة من كلية الملك عبد الله للدفاع الجوي.