البعد النووي للصراع ومخاطر الاحتكار النووي الإسرائيلي
يزداد الخلل في موازين القوة بين العرب
وإسرائيل خصوصا في مجال القدرة النووية حيث نجد إسرائيل وبفعل الدعم
الفرنسي ثم الألماني ثم الأميركي غير المحدود صار العرب محرومين من غالبية
مصادر القدرة على التسلح بأسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي،
فقد انتهزت الولايات المتحدة الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية
لتفرض قيودا شديدة على نقل التكنولوجيا العسكرية المتطورة إلى الدول
العربية، بزعم حظر نشر تكنولوجيا الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل وقد تم
ذلك في مبادرة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في مايو/ أيار 1991، وسارت
على نهجها كل من بريطانيا وفرنسا من حيث العمل على نزع السلاح الكيمياوي
والبيولوجي وحظر تصدير تكنولوجيا صناعة الصواريخ والتكنولوجيا النووية
للدول العربية مع عدم التعرض للسلاح الإسرائيلي النووي ومن ناحية ثانية
تفرض الولايات المتحدة ضغوطا شديدة على كل من الصين وروسيا وكوريا
الشمالية ودول أخرى لعدم إمداد الدول العربية بالصواريخ المتطورة والمواد
النووية ونظم القيادة والسيطرة المتقدمة، مما يؤدي إلى ازدياد انكشاف
الدول العربية أمام إسرائيل التي حصلت على مزايا عديدة من تحالفها
الإستراتيجي مع الولايات المتحدة وحصلت على الصاروخ الأميركي المتقدم (نيو
تلس) والذي يعمل بالليزر، وكذلك تعطيل مشروع تطوير الصاروخ (كندوز –2) بين
مصر والعراق والأرجنتين بل وتوقفه رسميا، إلى جانب تدمير منصات انطلاق
الصواريخ البالستية العراقية ومنشآت إنتاج الصواريخ خلال حرب الخليج
الثانية، ثم استكمال عملية تدمير القدرات العسكرية العراقية من جانب فرق
التفتيش التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي زاد من اختلال الميزان العسكري
لصالح إسرائيل.
النكران الإسرائيلي
ما تزال إسرائيل تنكر من
الناحية الرسمية امتلاكها السلاح النووي، وعادة ما يردد المسؤولون فيها أن
إسرائيل لن تكون البادئة بإدخال السلاح النووي للمنطقة، وتتبع إسرائيل
أسلوب الغموض المتعمد حول ترسانتها النووية أو ما يسمي "القنبلة في
القبو"، ويحاط برنامجها النووي بستار كثيف من السرية، ثم إن تصريحات
قادتها تزيد من الارتياب والشك وقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها
الصادر في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1999 أن وثيقة سرية من وزارة الطاقة
الأميركية تضع إسرائيل في المرتبة السادسة ضمن مجموعة الدول الكبرى نوويا،
وتملك إسرائيل ما بين 300 إلى 500 كجم من البلوتنيوم الصالح لصنع الأسلحة
النووية، مما يعني أنها تستطيع إنتاج 250 قنبلة نووية (صحيفة الحياة
اللندنية 9/10/1999).
الشروط الإسرائيلية والدعم الأميركي
ورغم أن إسرائيل لاتزال ترفض
الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فإنها تطرح تصوراتها
وشروطها لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، فهي ترفض
التفاهم والتفاوض حول إقامة المنطقة الخالية من هذه الأسلحة، بحجة أن
التفاهم سيأتي بعد تحقيق السلام في المنطقة والذي لا يشترط فقط التوقيع
على معاهدات سلام مع كل الدول العربية وإيران من ناحية وإسرائيل من ناحية
أخرى بل أيضا إقامة تعاون واسع بينها وبين جميع دول المنطقة. ولذلك رفضت
إسرائيل منذ مؤتمر مدريد إدراج المشكلة النووية على جدول أعمال المفاوضات
بما فيها المفاوضات متعددة الأطراف، ومن الجدير بالذكر أن واشنطن جهزت
إسرائيل بمعظم وسائل حمل وإيصال الأسلحة النووية، وأدى التحالف
الإستراتيجي بينهما منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن إلى دعم البرنامج
النووي الإسرائيلي حيث صارت معظم تقنيات المعدات النووية التي يتضمنها
المشروع النووي الإسرائيلي من صنع أميركي. ومع أن واشنطن لم توافق على
إعلان إسرائيل دولة نووية فإنها قدمت لها المساعدات الكافية في هذا الشأن
مما أدى إلى تطوير قدراتها النووية إلى حد كبير، وفي هذا الصدد أوجد
الكونغرس الأميركي لها استثناءات قانونية من الالتزامات والمتطلبات الخاصة
بمعاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، حتى صارت واشنطن تعتبر
الترسانة النووية الإسرائيلية جزءا من ترسانتها النووية، إذ تجد واشنطن في
امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية دعما لوظيفتها الإستراتيجية في إطار
التحالف الذي يضمهما، في حين ترفض واشنطن وبشدة أي نية أو محاولة لأي دولة
عربية في امتلاك الأسلحة النووية أو قدرات نووية.
القدرة النووية التقنية الإسرائيلية
قد كشف التقني الإسرائيلي
موردخاي فعنونو في أكتوبر/ تشرين الأول 1986 لصحيفة بريطانية أنه كان يعمل
في مركز النقب للبحوث النووية أو مفاعل ديمونة وقد هرب من إسرائيل وأن
المركز يحتوي على عشر وحدات إنتاجية يشكل فيها مفاعل ديمونة إحدى الوحدات
وأن طائرة التجسس الأميركية (يو 2) عام 1960 قامت بتصويره وطلب الرئيس
الأميركي الراحل كينيدي إخضاع المفاعل للتفتيش المنظم من قبل خبراء
أميركيين، ولكن ذلك لم يتم عمليا كما كشف فعنونو عن امتلاك حوالي 200
قنبلة نووية من النوع الصغير وقامت المخابرات الإسرائيلية باختطافه وحكم
عليه بالسجن 18 عاما في إسرائيل، كما كشفت الجريدة نفسها (الصنداي تايمز)
عن أن إسرائيل خزنت كميات من البلوتنيوم بما يكفي لإنتاج عشر قنابل نووية
من حجم القنبلة التي ألقيت على هيروشيما ونغازاكي عام 1945 وذكرت أن
إسرائيل تعتبر القوة النووية السادسة في النادي النووي، وتعتمد إسرائيل في
قدرتها النووية على استخدام كل من البلوتنيوم (بي. يو. 235) واليورانيوم
(يو 235)، وكشفت مصادر أخرى أن إسرائيل حققت تطورا في الإنتاج النووي
يمكنها من تصنيع قنبلة نيوترونية وهي نوع من القنابل الهيدروجينية
الموجودة لدى الدول النووية الخمس الكبرى، ومن الملفت للنظر أن هذا النوع
يستخدم للأغراض القتالية وليس الدفاعية أو الردع، وتحتوي الترسانة النووية
الإسرائيلية على أسلحة صغيرة يمكن أن تستخدم الألغام وقنابل المدافع ورؤوس
الصواريخ وقنابل الطائرات وتتراوح قوتها الانفجارية بين 0.5 إلى 2 ، 2.5
إلى 5 أطنان، وعشرة أطنان، إلى جانب قدرات الإيصال والتركيب والنقل، بما
يجعل إسرائيل تقترب في قوتها النووية من الصين بل وتتفوق على الهند،
وأشارت مصادر أخرى إلى أن إسرائيل حددت ما لا يقل عن ثمانين هدفا لتوجيه
ضربات نووية إليها، كما تمتلك إسرائيل الصاروخ (شافيت) القادر على حمل
رؤوس نووية ويجري تطويره ليصل مداه إلى أكثر من 5000 كم حسب زعم هذه
المصادر وتشير بعض الدراسات إلى أن إسرائيل تمتلك حاليا 300 قنبلة ورأسا
نووية، كما تنتج إسرائيل في مفاعل ديمونة حوالي 400 كغم بلوتنيوم سنويا
تكفي لصناعة ما بين 100 إلى 200 قنبلة نووية، كما تنتج نحو 220 كغم من
الليثيوم (6- دييو. تريد) بما يمكنها من إنتاج ما لا يقل عن 35 قنبلة
هيدروجينية.
ويوضح الجدولان التاليان مدى التقدم الذي حققته إسرائيل في إنتاج وتصنيع السلاح النووي: