ما هي حقيقة البرنامج النووي المصري؟ وكيف بدأ ؟ وماهي مراحل التطور
التاريخي التي مر بها وقدراته، وتقويمه، ولماذا تراجع هذا البرنامج؟
تعال معنا لتعرف الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها الكثير و الكثير عبر هذه التغطية الشاملة .
القدرات النووية المصرية
تتركز قدرات البرنامج النووي المصري في إنشاء المراكز البحثية، والمفاعلات
البحثية، وتأهيل الكوادر البشرية، والتعاون الإقليمي والدولي كما يلي:
أولا - المراكز البحثية النووية:
أقامت مصر عديداً من المراكز، من أقدمها مركز البحوث النووية، وتتنوع
نشاطاته لتشمل البحوث النووية الأساسية، وبحوث الطرف الأمامي لدورة الوقود
النووي والمفاعلات، وكذلك تطبيقات النظائر المشعة في الطب والصناعة
والزراعة.
1- المركز القومي لبحوث وتقنية الإشعاع: ويهدف إلى تنمية البحوث والتطوير
باستخدام الإشعاعات المؤينة في مجالات الطب والزراعة والبيئة وغيرها، ويضم
المركز العديد من تسهيلات البحث والتطوير التي من أهمها وحدة التشعيع
الجامي والمعجّل الإلكتروني.
2- مركز المعامل الحارة وإدارة المخلفات: ويهدف إلى تطوير الخبرة في
مجالات الطرف الخلفي لدورة الوقود النووي، ومعالجة المخلفات المشعة، وكذلك
إنتاج النظائر المشعة المستخدمة في مختلف التطبيقات الطبية والصناعية.
ثانيا - المفاعلات النووية البحثية:
1- المفاعل النووي البحثي الأول (ET-RR-1): بدأ العمل به عام 1961،
بمساعدة الاتحاد السوفيتي السابق، وهو مصمم لإنتاج النظائر المشعة وتدريب
العاملين والفنيين، وهو مفاعل تجارب فقط، تبلغ قوته 2 ميجاوات، ويعمل
باليورانيوم المغني، ويوجد به 9 قنوات كل قناة تسمح بخروج نيوترونات بقدر
معين واتجاه معين لإجراء تجارب التشعيع وإنتاج النظائر المشعة، ويفصل بين
المشتغلين في كل قناة حائط ضخم من الرصاص يمنع تأثير الإشعاعات لكل قناة
على تجارب القناة المجاورة لها، ولا يصلح الوقود النووي الناتج من تشغيل
المفاعل للأغراض العسكرية
2- المفاعل النووي البحثي الثاني متعدد الأغراض (MRR): أقيم بالتعاون مع
الأرجنتين وتم افتتاحه في فبراير 1998، بقدرة 22 ميجاوات ويعد إضافة تقنية
جديدة في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ولا يستخدم في الأغراض
العسكرية، ويحقق مردوداً اقتصادياً بإنتاج عديد من النظائر المشعة، ومصادر
إشعاع جاما اللازمة لتشغيل معدات علاج الأورام، بالإضافة إلى تعقيم
المعدات الطبية والأغذية، وينتج المفاعل رقائق السيلكون المستخدمة في
الصناعات الإلكترونية الأساسية، ويقوم باختبار سلوك الوقود والمواد
الإنشائية للمفاعلات، ويساهم في توفير النظائر المشعة المطلوبة للتطبيقات
الطبية والزراعية والصناعية، ويؤهل مصر للاعتماد على الذات في مجالات
الاستخدامات السلمية للطاقة النووية
ثالثا - تأهيل الكوادر البشرية:
تضطلع هيئة الطاقة الذرية المصرية ببرامج للتأهيل والتطوير المستمر
للكوادر البشرية العاملة بها، والملتحقين الجدد، وذلك للإلمام بمبادئ
الفيزياء الصحية والوقاية الإشعاعية والتعامل مع المصادر الإشعاعية، وهناك
برامج متخصصة لكل مركز من مراكز الهيئة لتأهيل الكوادر الخاصة قبل
الالتحاق بالعمل
وتجري الهيئة سلسلة متواصلة من برامج التدريب تغطي عديداً من المجالات، من
أهمها: تطبيقات مفاعلات البحوث، والمعجلات، الوقاية الإشعاعية، تطبيقات
النظائر المشعة، الإلكترونيات، تحلية مياه البحر، تآكل الفلزات وحمايتها،
تحليل الانهيارات، اللحام، الأمان البيئي، توكيد الجودة، إدارة المخلفات،
وتجري بعض هذه الدورات التدريبية ضمن برنامج التعاون الإقليمي والدولي
رابعا- التعاون الإقليمي والدولي:
شاركت هيئة الطاقة الذرية المصرية كعضو مؤسس في الوكالة الدولية للطاقة
الذرية عام 1957م، ومنذ هذا التاريخ أبرمت الهيئة اتفاقيات للتعاون
الثنائي مع العديد من الدول في مجالات تبادل المعلومات، والتدريب، ونقل
التقنية، وتبادل الخبرات، وتوريد المعدات الفنية
وتأتي مصر على رأس قائمة الدول التي تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية
بتمويل مشروعاتها البحثية والتقنية، وتشارك الهيئة المصرية في برامج
للتعاون مع دول ومنظمات دولية كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي،
تشمل: الدول الإفريقية، والهيئة العربية للطاقة الذرية، والوكالة الدولية
للطاقة الذرية، والمركز الدولي للفيزياء النظرية بإيطاليا، وجمهورية روسيا
الاتحادية، والولايات المتحدة، والأرجنتين، وكندا، والهند
أسباب تراجع البرنامج النووي المصري
ترجع أسباب تراجع البرنامج النووي المصري الى :
أولا : العوامل السياسية والاستراتيجية:
تعد مصر واحدة من بين بلدان العالم الثالث المحدودة التي أُتيح لها منذ
البداية المشاركة في عملية صنع الاتفاقيات الخاصة بنزع السلاح، من خلال
عضويتها بلجنة الدول الثماني عشرة لنزع السلاح التي أُنشئت عام
1961والمسماة حالياً بمؤتمر نزع السلاح ومقره جنيف، هذا بالإضافة إلى أن
الرئيس المصري محمد حسني مبارك أولى عناية خاصة لقضايا نزع السلاح في إطار
رؤيته الشاملة لإعادة البناء الاقتصادي لمصر، وما يتطلبه ذلك من نزع فتيل
سباق التسلّح في منطقة الشرق الأوسط ودعم الأمن والاستقرار فيها
وقد بلورت مصر موقفها النهائي تجاه هذه المنطقة في عدة نقاط، من بينها أن
التزام مصر بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أمر لا
يرقى إليه شك، وقد ظلت مصر على امتداد السنين تؤدي دوراً قيادياً في تعزيز
الهدف المتمثل في تخليص المنطقة من تهديدات هذه الأسلحة، ومن ناحية أخرى
فقد أصبح مفهوماً أن تعبير سياسة مصرالنووية لم يعد يرتبط بأية مساع
لامتلاك سلاح نووي، فقد اتخذت مصر قراراً استراتيجياً في وقت ما قبل عدة
عقود بالتوقّف عن التفكير في الخيار النووي العسكري
وترسخ تصور محدد عبر العالم استناداً إلى مؤشرات جادة بأن مصر تمثل واحدة
من أبرز أعضاء نادٍ صغير من الدول قامت أطرافه طوعاً بتبني سياسة
اللانووية العسكرية، ورغم امتلاكها قدرات ملموسة في هذالميدان على غرار
البرازيل، والأرجنتين، وكوريا الجنوبية، وتايوان، إضافة إلى القوتين
الكبريين في النادي النووي المدني وهما اليابان وألمانيا
ثانيا: القيود التقنية الدولية:
كانت الرغبة في الحصول على الطاقة النووية من بين أسباب تصديق مصر على
معاهدة عدم الانتشار النووي، فقد لمست منذ عامي 1974، 1980 تشدد الدول
المالكة للتقنيات النووية بشأن تصدير هذه التقنيات للدول غير الأعضاء بصفة
كاملة في معاهدة عدم الانتشار، وذلك من خلال رفض الولايات المتحدة،
وألمانيا الغربية، وكندا، وفرنسا الدخول في مفاوضات جدية معها للتعاون
النووي دون أن تنضم للمعاهدة أو تخضع لشروطها
ورغم ما يقال عن أن مصر استفادت بالتوقيع على المعاهدة في تدعيم مصداقية
توجهاتها الخاصة بنزع الأسلحة النووية القائمة في المنطقة لدى إسرائيل
تحديداً، وعدم دعم أي محاولة لتوسيع دائرة انتشار تلك الأسلحة في المنطقة
لدى دول أخرى، وأنها تمكنت من تطوير قدراتها النووية السلمية البحثية، فإن
اتصالاتها التي أجرتها بعد التوقيع على معاهدة الانتشار بغرض بناء بعض
المفاعلات النووية - لم تسفر عن نتيجة عملية أو مادية ملموسة حتى تم تجميد
البرنامج عام 1986،
بل إن الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية سعت إلى تقنين القيود الفنية
والتقنية بمجموعة من الإجراءات بدءاً من مجموعة استراليا للتحكم في المواد
الكيميائية والبيولوجية عام 1985، ومروراً بنظام MTCR (نظام التحكم في
تكنولوجيا الصواريخ)، وانتهاءً بإعلاني باريس ولندن عام 1991 المتعلقين
بنقل الأسلحة التقليدية ومنع أسلحة الدمار الشامل
وقد شكّلت هذه القيود التقنية واحداً من أسباب تراجع البرنامج النووي
المصري، وزاد من خطورة القيود التقنية الدولية أن ظروف أزمة الاقتصاد
المصري مثَّلت في حد ذاتها حدوداً معينة بشأن قدرة مصر الفعلية على مجاراة
سباق التسلح بالمنطقة، وارتياد مجال تقانة التسلح المتقدمة دون التضحية
بالموارد الموجهة لعملية التنمية، وهو ما اتضح في عدة أمور، من أهمها
تجميد البرنامج النووي عام 1986، نظراً لتكلفته المادية العالية، ومخاطره
غير المأمونة، وخصوصاً في أعقاب انفجار المفاعل النووي السوفيتي تشيرنوبل،
ومن الملاحظ أن عام 1986 شهد مواجهة أزمة اقتصادية حادة
ثالثا: مجموعة العوامل الداخلية:
يذكر الأمين العام السابق لهيئة الطاقة الذرية المصرية أربعة أسباب أدّت إلى التراجع الشديد للبرنامج النووي المصري هي:
(1) عدم تعاون القيادات العلمية والإدارية بمؤسسة الطاقة الذرية ودخولها
في صراعات ونزاعات وعدم الاستقرار الإداري، وهو ما أدى إلى تعاقب أكثر من
12 قيادة على رئاسة الهيئة المصرية للطاقة الذرية في فترة وجيزة، حتى أن
بعضهم لم يستمر في منصبة سوى عدة أشهر مثل د. أحمد حماد الذي لم يكمل
عاماً في منصبه من 1959 - 1960 في حين تحتاج مثل هذه المؤسسات إلى نوع من
الاستقرار، وزاد من فداحة الأمر أن كل تغيير في المسؤولين كان يصاحبه
تغيير في السياسات والتوجهات التي تنظم عمل الهيئة، وهو ما ظهر في تمزق
الهيئة وتفتيت وحدتها، وتغيير سياستها، خصوصاً بعد ترك صلاح هدايت
لإدارتها 1960 - 1965
(2) خطأ حسابات القيادات السياسية في رصد خريطة القوى النووية العالمية،
ومدى إمكانية تعاون بعضها في مساعدة مصر على بناء قدرة البساط من تحت
أقدام الاتحاد السوفيتي، كما لم تستفد الحكومة المصرية من علاقاتها مع
كندا في الحصول على مفاعل نووي مثلما فعلت الهند، وألقت القيادة المصرية
في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بكل أوراقها في الملعب السوفيتي،
خصوصاً مع تعهد السوفييت ببناء مفاعل نووي لمصر، لإحداث توازن مع القوة
النووية الناشئة آنذاك في إسرائيل
ولكن الاتحاد السوفيتي أخلّ بتعهداته، بل حاول تعطيل بناء المفاعل البحثي
الأول الذي استكمل عام 1961م، وانسحب الروس قبل إتمامه بحجج مختلفة، بل
وتدخلت القيادة السوفيتية لدى الكنديين للحيلولة دون حصول مصر على مفاعلات
كاندو المتوسطة، بعدما رأوا إصرار المصريين على استكمال قدراتهم النووية
في ذلك الحين، ويؤكد الدكتور عثمان المفتي الذي تأسس أول مفاعل نووي عربي
تحت رئاسته أن الاتحاد السوفيتي لم يكن جاداً في يوم من الأيام في وعوده
بمساعدة مصر على بناء قدرة نووية، حيث رفض الروس السماح لأي من أعضاء أول
بعثة علمية أرسلتها مصر عام 1956 بدراسة أي تخصص يتعلق بالطاقة النووية
بحجة أن ذلك مقصور على الروس فقط
(3) جاء تفتيت مؤسسة الطاقة الذرية المصرية سنة 1976م وانفصال أقسامها إلى
عدة كيانات مستقلة كأحد الأسباب الرئيسة للتدهور الذي أصاب البرنامج
النووي المصري؛ فلقد تفتتت الهيئة وتولدت عنها مؤسسة لمحطات توليد
الكهرباء، وهيئة للمواد النووية، إضافة إلى هيئة الطاقة الذرية، وتوزعت
هذه المؤسسات في تبعيتها على عدة جهات ووزارات مختلفة مثل البحث العلمي
أحياناً، ووزارة الكهرباء والطاقة أحياناً أخرى
وكان الخطأ ليس فقط في انعدام التنسيق بين هذه المؤسسات المتكاملة
بطبيعتها، وإنما في أن مثل هذه المؤسسات بالغة الأهمية والخطورة لم توضع
تحت إشراف جهات سيادية عليا كرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، كما يحدث
عالمياً، فأصبحت هيئة الطاقة الذرية مثلاً تابعة لوزارة الطاقة والكهرباء،
في حين تحتاج إدارة هذه المؤسسات إشرافاً مباشراً من أعلى جهة سيادية في
البلاد لضمان عدم توقف العمل وانتظامه وفق ما هو مخطط له.
(4) وكانت أخطر ضربة وجِّهت للمشروع النووي المصري هي التوقيع على اتفاقية
الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر عام 1996، ثم الموافقة على
البروتوكول النموذجي الإضافي الذي أقرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية،
فقد قضى ذلك على إمكانية تطوير البرنامج النووي المصري عسكرياً، حيث رأى
الخبراء العسكريون أن هذا البروتوكول يستهدف تطوير نظام التفتيش والمراقبة
على المرافق والمنشآت والمواد النووية لدى الدول غير المالكة للسلاح
النووي، والمرتبطة مع الوكالة مثل مصر وبقية الدول العربية أكثر صراحة
وأشد تدخلاً في سيادتها الوطنية
وهذا النظام يستلهم فلسفته من تجربة الوكالة مع العراق بعد هزيمته في حرب
تحرير الكويت، وقد انعكس ذلك سلباً على البرنامج النووي المصري إلى الحد
الذي يصفه الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة الذرية المصرية بأنه لأول مرة في
العقود الأخيرة يغيب البعد النووي من سياسة الطاقة المصرية، إذ إن السياسة
المعلنة حتى عام 2017 ليس فيها اتجاه نووي، وهو ما من شأنه على حد قوله أن
ينتهي بتجميد المشروع النووي المصري
رابعا: التحول بفعل الابتزاز الإسرائيلي:
يرى المراقبون أن المسيرة النووية في الشرق الأوسط آخذة في النمو من خلال
مؤشرات معلنة بأن انطلاقة واسعة في اتجاه امتلاك عدة دول في المنطقة برامج
نووية مدنية قوية سوف تحدث تحوّلاً حقيقياً في شكل الإقليم، سواء فيما
يتعلق بإعادة تعريف القوى المحورية فيه، أو هياكل اقتصادياتها أوتوجهاتها
التنموية أو تطورها التقني وربما علاقاتها البيْنية، وتوجهات الرأي العام
داخلها، لكن الأهم أن تلك التطورات سوف تكون لها آثار استراتيجية مهمة قد
تفتح الباب للتفكير بصورة مختلفة في كيفية التعامل مع القضايا النووية
المعلقة، ليس عبر ما تتضمنه تلك التطورات من احتمالات عسكرية، وإنما مع ما
تضغط في اتجاهه بشأن إعادة ترتيب الأوضاع النووية بين الدول على نحو يضمن
استقراراً إقليمياً حقيقياً من هذه الزاوية
ويرى هؤلاء المراقبون أن مصر مؤهلة لتكون أحد اللاعبين الرئيسين في مرحلة
الانتشار الجديدة بجانب إيران، وتركيا، وليبيا، فمصر لديها قواعد قوية
لبرنامج نووي مدني في الداخل، حيث إن مفاعلها النووي الثاني هو المفاعل
الأكبر في طاقته بالمنطقة 22 ميجاوات بعد مفاعل ديمونة العسكري، ولديها
أيضاً صورة دولية لن تؤدي إلى عراقيل كبيرة في اتجاه استئناف قرارها
المتعلق بتأجيل امتلاك مفاعلات القوى النووية
وكانت مصر قد أعلنت في أول مايو 2002 عن إنشاء محطة للطاقة النووية
السلمية في غضون ثمانية أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية، والصين، وهو ما
وُصف بأنه نقلة نوعية هامة على طريق البرنامج النووي المصري، خصوصاً وأن
مصر لديها بحسب تقدير الخبراء انفجار في الكوادر العلمية النووية بدون عمل
تقريباً، والمفاعلان البحثيان الحاليان في أنشاص يكفيان لتدريب العلماء
المصريين تجريبياً وليس تطبيقياً، ووجود محطة نووية كبيرة تصلح للتطبيق
فيما يتعلق بأبحاث الطاقة الذرية أمر هام
وتحسباً لمثل هذه التطورات، من الطبيعي أن تعمل إسرائيل كل ما في وسعها
لعرقلة تقدم مصر بمنع دخول تقنية المحطات النووية إليها بما تحققه من
تنويع لمصادر الطاقة والحفاظ على الموارد الناضبة واستخدام البرنامج
النووي في تطوير الصناعة المصرية وتنشيط حركة البحث العلمي
وللأسف كان تعامل مصر مع الابتزاز الإسرائيلي بمنطق "سد أبواب الريح"،
وكان من قبيل ذلك ما تردد مؤخراً حول أن الحكومة المصرية تدرس تحويل موقع
"الضبعة" بالساحل الشمالي لمصر وهو الموقع الوحيد المؤهل حالياً لإنشاء
محطات نووية إلى منتجع سياحي، وهو ما أكده وزير السياحة المصري الذي قال:
"إنه زار الموقع بصحبة وفد أجنبي ومحافظ مطروح لاستطلاع إمكانات الموقع
السياحية، وما إذا كان يصلح لإقامة منطقة سياحية"، وأضاف قائلاً: "لقد
وجدت أن الموقع يصلح"
وكان قد تم اختيار هذا الموقع عام 1980 بعد دراسة أحد عشر موقعاً مرشحاً،
وصدر القرار الجمهوري رقم (309)بتخصيصه لإنشاء محطات نووية لتوليد
الكهرباء وتحلية مياه البحر، وتم بالفعل إجراء دراسات تفصيلية أسندت إلى
شركة فرنسية متخصصة، حيث قامت بإعداد كافة الدراسات الجيولوجية الخاصة
بالزلازل، والأرض، وحركة المياه الجوفية، وحركة التيارات البحرية، والمد
والجزر، بالإضافة إلى الدراسات السكانية
وانتهى الأمر إلي تأهيل الموقع لإنشاء محطات نووية، نظراً لأنه يفي بشروط
الأمان وفقاً لاشتراطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد أحاط بالمشروع
عدد من الظروف والملابسات، من بينها: التردد في اتخاذ القرارات، رغم ما
يسبقها من دراسات تفصيلية، ووقوع حادثة انفجار المفاعل الروسي تشيرنوبل
عام 1986 قبل موعد إعلان الفائز بمناقصة توريد مفاعلين كل منهما بقدرة
1000 ميجاوات لمحطة الضبعة بأسبوعين. توقف العمل بالمشروع وتركزت أنشطة
هيئة المحطات النووية على إجراء مجموعة من الدراسات بالتعاون مع الهيئة
الدولية للطاقة كان مقرراً لها أن تنتهي عام 2000
وهكذا، يأخذ الحلم النووي الذي راود المصريين عشران السنين في التلاشي،
بتحويل الموقع إلى منطقة سياحية، ويضيع معه الأمل في تحقيق نوع من التوازن
ولو رمزي مع البرنامج النووي الإسرائيلي، وذلك بسبب ممارسة الضغوط
الإسرائيلية والأمريكية
خامسا: التصورات السائدة عن السلاح النووي الإسرائيلي:
سيطرت على المدركات العربية بشأن السلاح النووي الإسرائيلي مجموعة من
التصورات ساهمت في تكريس الاتجاه نحو التخلّي عن امتلاك قدرات نووية، ولم
تكن مصر بمنأى عن هذه التصورات التي تقوم على أن الدول النووية الكبرى
ملزمة بعدم انتشار الأسلحة النووية في الدول الأخرى، وأن الولايات المتحدة
تريد إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسحلة التدمير الشامل، وأن السلاح
النووي الإسرائيلي هو سلاح هدفه الردع بالشك وليس سلاحاً للقتال أو
الاستخدام، وأنه لو استخدم كسلاح قتالي فسوف يستخدم كخيار أخير، وأن
إسرائيل قد تنضم إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية خصوصاً إذا ما
تحقق السلام في المنطقة