السودان والشام ركائز الامن القومي المصري
خطورة الأزمة السودانية على الأمن القومي المصري
ووفق هذا التعريف لا يمكن اعتبار ما يحدث في السودان شأنا داخليا لا يخص الأمن القومي المصري لعدة أسباب:
1- إن عدم الاستقرار السياسي في السودان قد تكون له آثار اقتصادية وسياسية
سيئة على مصر، ففي حالة حدوث قلاقل في الخرطوم مثلا كتلك التي حدثت مؤخرا،
فإنه سيترتب على ذلك حدوث نزوح جماعي للاجئين الفارين من الحرب تجاه دول
الجوار، ومن بينها مصر.
ونحن نعلم أن هؤلاء اللاجئين قد يشكلون
عبئا على مصر سواء في النواحي الاقتصادية، أو حتى الأمنية، لأن هؤلاء
اللاجئين قد يهربون ومعهم السلاح، وقد يفكرون في استخدام الأراضي المصرية
في شن هجوم مضاد داخل الأراضي السودانية، كما أن بعضهم قد يفكر في التغلغل
داخل الأراضي المصرية لحساب دول أخرى تهتم بزعزعة الأمن القومي المصري.
ولعل هذه المخاوف تزداد مع كثرة محاولات
تغلغل لاجئي دارفور في إسرائيل عبر الحدود المصرية، حيث قامت السلطات
المصرية بالقبض على العديد منهم، لكن يبدو أن محاولات التغلغل لن تنتهي.
ولعله من المفيد في هذا الشأن تذكر
الانعكاسات الاجتماعية والأمنية السيئة لمشكلة اللاجئين السودانيين في
ميدان المهندسين قبل ثلاثة أعوام تقريبا واعتصام هؤلاء في هذا الميدان
بسبب رفض مفوضية اللاجئين منحهم حق صفة لاجئ، مما اضطر السلطات الأمنية
المصرية إلى تفريق هذا التجمع بالقوة. وهو ما أثر بالسلب على العلاقة بين
البلدين.
2- إن شمال السودان الذي يعد نقطة التماس
المباشر مع الحدود المصرية بدأت تظهر فيه بعض الحركات التي يمكن أن تشكل
تهديدا للأمن القومي المصري مثل حركة كوش، وهي حركة تسعى لإقامة دولة
النوبة القديمة في مصر والسودان.
وهذا يعني أنها تطالب باستقلال النوبيين
عن مصر والسودان وتشكيل دولة النوبة، وهو بالطبع أمر يمس الأمن القومي في
الصميم، خاصة أنه يرغب في اقتطاع جزء من الأراضي المصرية.
وهناك مخاوف فعلية من أن تلعب الولايات
المتحدة على سبيل المثال بورقة النوبة، كما لعبت -ولا تزال– بورقة أقباط
المهجر من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأميركية.
ومما يزيد من هذه المخاوف أن المجتمع
النوبي غير مختلط ولا منصهر بصورة كبيرة في المجتمع المصري، خاصة فيما
يتعلق بعادات الزواج والمصاهرة، إذ من الصعب أن يتزوج النوبي من غير نوبية.
ومن ثم فإن الأحداث الأخيرة كان يمكن أن
تنشط هذه "الخلايا النائمة" وتدفع في اتجاه تعزيز مطالبها بشأن السودان
"الممزق" في هذه الحالة.
3- إن حدوث قلاقل في السودان قد يؤثر على
إمكانية زيادة حصة مصر من مياه النيل مستقبلا، فمصر تشهد حاليا حالة من
الندرة المائية أدى إليها تزايد عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة
إلى مصر منذ اتفاقية 1959 (تقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويا).
وتعيش مصر الآن تحت خط الفقر المائي
(مقدار هذا الخط ألف متر مكعب للفرد سنويا، في حين يبلغ متوسط دخل الفرد
المصري من المياه 985 مترا مكعبا عام 2000، ويتوقع أن يصل إلى خمسمائة متر
مكعب فقط عام 2020).
ومعنى ذلك أن مصر مطالبة بتوطيد علاقاتها
مع دول حوض النيل خلال الفترة القادمة، ومحاولة التوصل إلى اتفاقيات جديدة
تسمح بزيادة كميات المياه الواردة إليها.
ومعروف أن مياه النيل هي شريان الحياة لدى كل المصريين، ومن ثم فإن المساس بها يعد قضية أمن قومي بدون أدني شك وفق التعريف السابق.
لذا فإن حدوث قلاقل في السودان أو تفتيه
إلى أربع دول (دولة في الشمال حيث العاصمة الخرطوم، وأخرى في الغرب حيث
دارفور، وثالثة في الجنوب حيث قوات الجيش الشعبي، ورابعة في الشرق حيث
قوات البجا) قد يجعل هناك صعوبة مصرية في التفاوض المستقبلي حول زيادة
حصتها من المياه.
ومعروف أن حصة مصر من المياه تأتي
بالكامل عبر الأراضي السودانية من خلال النيلين الأبيض والأزرق، كما أن من
الأمور التي ينبغي تذكرها في هذا الشأن هو كيف أن مشروع قناة جونجلي توقف
بسبب أزمة الجنوب.
4- إن السودان يعد بوابة العبور المصري تجاه القارة الأفريقية، خاصة دول حوض النيل الثماني غير مصر والسودان.
وقد ازداد الاهتمام بهذه الدول بعد
انضمام مصر للكوميسا عام 1998، وسعيها لتدعيم وجودها في هذه المنظمة
الفرعية الخاصة بدول الشرق والجنوب لمواجهة التنافس مع الدول القوية في
شرق أفريقيا من ناحية "مثل كينيا وإثيوبيا" أو الدول الأخرى في باقي
الأقاليم الفرعية "مثل نيجيريا في الغرب حيث منظمة الإيكواس وجنوب أفريقيا
في الجنوب حيث تجمع السادك".
ولعل الأسباب السابقة تكشف لنا أن أي
مساس بالاستقرار في السودان هو مساس بالأمن القومي المصري، ومن ثم فإن مصر
ترغب دائما في البقاء على استقرار السودان ومنع تفتيته وتجزئته إلى أقاليم
فرعية، أو حتى إضعافه، كما ترغب في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.
ونقصد بذلك تحديدا إسرائيل، خاصة بعدما
أثبتت أحداث أزمة جنوب السودان، وأزمة دارفور وجود علاقات إسرائيلية
مشبوهة سواء مع الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب، أو بعض حركات
التمرد في دارفور مثل حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور الذي افتتح
قبل شهرين تقريبا مكتبا لحركته في تل أبيب.