Admin Admin
عدد الرسائل : 6019 العمر : 124 الموقع : ساحات الطيران العربى الحربى نقاط : 10224 تاريخ التسجيل : 05/10/2007
| موضوع: انفصل جنوب السودان؟ الأحد مايو 30, 2010 12:42 pm | |
| انفصل جنوب السودان؟! ربما يكون السؤال الصحيح، على نقيض عنوان هذا المقال، هو: "هل ينفصل جنوب السودان؟!". وينبع هذا السؤال من حقيقة أنه على رغم أن موعد الاستفتاء على انفصال الجنوب أو بقاء السودان موحدا لن يتم قبل عام 2011، أي بعد مرور 6 أعوام على توقيع اتفاقية سلام الجنوب عام 2005، فإن ثمة مؤشرات متعاظمة لانفصال الجنوب كدولة مستقلة هي التي فرضت هذا العنوان ليعبر عن الواقع الحقيقي أكثر مما يعبر عن سياق زمني. بداية، يجب الاعتراف بأن هناك معضلة لا يهتم أحد بذكرها كثيرا فيما يخص مشكلة انفصال الجنوب، تتمثل في أن قسما من مسئولي الشمال السوداني يتحرقون شوقا منذ فترة ليست قصيرة لانفصال الجنوب ويشجعونه باعتبار أن الجنوب كان "لعنة" على انطلاق التنمية في السودان ككل، نتيجة الحروب المختلفة التي أكلت موارد السودان، وعطلت مسيرته ليصبح دولة رقمية مهمة في المعادلة الإفريقية والعربية والدولية، وهذا مقابل فريق يتخوف على وحدة السودان ككل لو انفرط عقد الجنوب الغني بالبترول. ويجب الاعتراف أيضا -من واقع المستندات والوقائع المنشورة أن حكومة الخرطوم لم تتأخر في تلبية طلبات حكومة الجنوب والحركة الشعبية في تنمية الجنوب لتعظيم فكرة الوحدة بين شمال السودان وجنوبه، بلغ ذلك حدا جعل البعض يتهم الحكومة بوقوعها تحت ضغط وابتزاز الجنوبيين وتلبية كل رغباتهم، خصوصا في ظل خشيتها من انفراط عقد السودان، على اعتبار أن المخطط المرسوم للسودان ليس انفصال الجنوب فقط، بل الغرب والشرق أيضا. وبالمقابل، هناك جنوبيون -من غير "الحركة الشعبية" التي يؤيد أغلب قادتها الانفصال عن الشمال- لا يؤيدون الانفصال، خصوصا الميليشيات والقبائل الجنوبية التي تحالفت مع الحكومة مثل النوير والشلك، ويرون أن انفصال الجنوب معناه قيام دويلة طائفية عنصرية يتقاتل فيها قبائل السودان الجنوبية الكبرى ("الدينكا" الذين يسيطرون على مناصب حكومة الجنوب، و"الشلك" و"النوير").
وهنا أيضا من المهم ذكر أن هناك قوى جنوبية حكومية تسعى للنفخ في نار الفرقة مع الشمال وتعظيم قضايا فرعية وابتزاز الشمال بدعوى عدم تنفيذ اتفاقات السلام، وتنفذ خططا -معدة سلفا- للانفصال عن طريق رموز للجنوب مختلفة تماما عن دولة الوحدة في الشمال، مثل: عملة جديدة، وعلم جديد، وبنك مركزي جديد، وزي مختلف لجيش الجنوب، وتوقيع عقود استثمارات أجنبية طويلة المدى بإعفاءات مغرية مع حكومة الجنوب، بل فتح 18 سفارة لدولة الجنوب في دول أبرزها أمريكا، وهي علامات سيادة للدولة الجنوبية المنتظرة لا تخطئها العين.
عناصر الانفصال ولو قلنا إن عناصر الانفصال باتت أقوى من عناصر الوحدة وإن مشعلي حرائق الخلافات بين الشمال والجنوب لتعجيل الانفصال يتحركون بنشاط غير معهود، فإنه في هذه الحالة يمكن رصد عدة مظاهر على الطرفين (الشمال والجنوب) على النحو التالي:
أولا: شواهد وتحركات الجنوبيين التي تعظم الانفصال:
وهذه يمكن رصد بعضها، علما أن بعضها متفق عليه ضمن اتفاق السلام والبعض الآخر متنازع عليه، وهي كالتالي:
1- قامت حكومة الجنوب بفتح 18 مكتبا للحركة الشعبية في عدد من الدول الإفريقية والأوروبية والعربية، على رأسها "قنصلية" في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما أثار شكوك حكومة الخرطوم من أن يكون هذا ضمن خطوات أخرى للتمهيد لفصل جنوب السودان عن الشمال، خصوصا أن مكتب الحركة الشعبية في أمريكا، منحته الإدارة الأمريكية وضعًا دبلوماسيا مميزًا كذلك الممنوح لتايوان وتيمور الشرقية، حيث ستموله الإدارة الأمريكية.
2- أنشأت حكومة الجنوب بنكا مركزيا جديدا وصكت عملة خاصة بها، ووكالة أنباء لجنوب السودان (وكالة جنوب السودان للأنباء) بالإضافة لتأهيل إذاعة وتليفزيون الجنوب، وتتفاوض مع شركات اتصالات لنشر خدمة التليفون بكود دولي مختلف عن كود السودان الموحد، فضلا عن ترخيص المركبات العامة والخاصة في الجنوب بلوحات تحمل رمز NS؛ وهي اختصار لـ "السودان الجديد" أو New Sudan؛ وتخالف الترخيص المعمول به في شرطة المرور لكافة أنحاء السودان؛ حيث تحمل كل ولاية رمزًا معينًا لها.
3- ترفض حكومة الجنوب سحب الوحدات الجنوبية من بعض المناطق في الشمال وتمركزها في الجنوب بحجة أنه لم يتم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب؛ فوفقا لما تم الاتفاق عليه، سحب الجيش السوداني قواته بالجنوب ولن تبقى سوى الوحدات المشتركة من الجيشين في جنوب السودان، ولكن جيش الحركة الشعبية المفترض أن ينسحب من الشمال إلى الجنوب وفقا للاتفاق، لم ينسحب بدوره من مدن الشمال، وكل ما تم هو سحب قوات هذا الجيش الجنوبي في شرق السودان. أما الوحدات المتبقية في النيل الأزرق، وفي جبال النوبة فلم تنسحب، والسبب كما يقول الجنوبيون: "إن هناك بين الشمال والجنوب حدودا لم يتم ترسيمها بعد"، رغم أن الجيش السوداني كان من الممكن أن يفعل المثل ولا ينسحب من الجنوب، أو يتمركز في المناطق المتنازع عليها في الجنوب، ويقول إن الحدود لم ترسم بعد، ورغم أن البشير تعهد بإعادة أي أموال للبترول تكون للجنوب لو تم الحكم في قضية ترسيم الحدود المشتركة لصالح الجنوبيين فيما يخص إقليم "آبيي" الحدودي الغني بالبترول. 4- قاطعت الحركة الشعبية لتحرير السودان احتفالات عيد الوحدة في 9 يوليو 2006، وتعللت بخلافها مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم بشأن تسمية وتوقيت الاحتفالات، وقال نائب رئيس المجلس الوطني أتيم قرنق (جنوبي) إنها -احتفالات عيد الوحدة- تعبر عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه؛ وهو ما يعني -ضمنا- أن الحركة الجنوبية لا تعترف بشرعية حكم حزب البشير ولا عيد الوحدة. 5- تغيير المناهج التعليمية بجنوب السودان؛ حيث بدأ ذلك مؤخرا قبل عدة سنوات بجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق والمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية في جنوب السودان؛ فقد تم تغيير نظام الدراسة بكل الولايات بجنوب السودان من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، وإصدار منهج له باسم سكرتارية التعليم بالسودان الجديد، وضمن هذا قرر مجلس الوزراء الجنوبي منع الطالبات من ارتداء الحجاب في بعض مدارس ولايات الجنوب (أعالي النيل) رغم أن هذه الولاية تضم أكبر عدد من المسلمين في ولايات الجنوب جميعها وتتاخم الولايات الشمالية؛ وهو ما قد يمثل خرقا لاتفاق السلام والدستور الانتقالي ودستور الجنوب. 6- هناك فساد مالي منتشر في حكومة الجنوب يستغله بعض أطراف الحكومة الجنوبية في تأجيج الخلاف مع الشمال بمزاعم أن الخرطوم لا تلتزم بتعهداتها المالية وفق اتفاق السلام، وقد فضح هذا مطالبة الحركة الشعبية لتحرير السودان من زعيمها في فبراير 2007 ما قالت إنه "مكافحة الفساد في إدارته" إثر اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، حيث قيل إن نائب الرئيس السوداني سلفا كير يتم تكليفه بمتابعة قضية اختلاس 60 مليون دولار قدمتها حكومة الخرطوم لإدارة الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام في الجنوب منذ عامين.
ثانيا: شواهد وتحركات الشماليين التي تعظم الانفصال:
ومقابل هذا، هناك تيار شمالي قوي يتزعمه بشكل أكبر كتاب وسياسيون سابقون ينتمون للتيار الإسلامي وشخصيات عامة أخرى. وينشر أهل هذا التيار مقالات ويعقدون ندوات في الداخل تروج لانفصال الجنوب باعتبار أنه خير للسودان الموحد بعدما أرهق الجنوبُ الشمالَ في الحرب وهو مستمر في إرهاق ميزانية الشمال بعد السلام، فضلا عن أن بقاء الجنوب مع الشمال معناه استمرار التدخل الدولي في شئون السودان.
شواهد الوحدة ولأن الكثير من عوامل الانفصال التي تحدثنا عنها بعضها ورد النص عليه في اتفاقية السلام كحق للجنوبيين خلال الفترة الانتقالية، مثل إنشاء بنك مركزي يكون فرعا لبنك الخرطوم المركزي، وتشكيل حكومة جنوبية، وأحقية حكومة الجنوب في توقيع اتفاقيات وبرتوكولات دولية؛ فمن الطبيعي أن يعتبرها دعاة الوحدة على الجانبين ليست مظاهر للانفصال، وإنما مجرد "ترتيبات للفترة الانتقالية"، حسبما يذكر دبلوماسيون ومسئولون سودانيون شماليون وجنوبيون، بل يستشهد هؤلاء ببعض الوقائع لتأكيد خيار الوحدة على الجانبين، مثل:
1- قال النائب الأول للرئيس السوداني رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الفريق سلفاكير ميارديت في مناسبة توقيع اتفاقية السلام في يناير الماضي 2007: إن "تيار الوحدويين في الحركة الشعبية، وأنا من ضمنهم، انتصر منذ أيام زعيم الحركة السابق الراحل جون قرنق على تيار الانفصاليين"، وشدد على أن حركته حريصة على وحدة السودان. 2- نتيجة جهود حكومة الخرطوم الموحدة، بدأت أبراج للكهرباء وطرق جديدة وموارد منتظمة للمياه تظهر في مدن الجنوب، مثل جوبا عاصمة جنوب السودان، لأول مرة بعد أن كانت هذه الخدمات مختفية أو تظهر في بعض أوقات غير منتظمة، وهي علامة على أن سكان الجنوب بدءوا يرون أخيرا مكسبا من مكاسب السلام بعد عامين من اتفاق السلام بين شمال وجنوب البلاد، هذا غير انتشار الفنادق والمدارس الجديدة، ومد طريق إسفلتي من المطار إلى وزارات حكومة الجنوب التي تم تجديدها حديثا، واجتذاب المستثمرين في استثمارات أجنبية تصل إلى نحو 100 مليون يورو (130.3 مليون دولار)، تركز على البناء الأكثر ربحا في أرض لا توجد بها سوى بضعة مبان قديمة. 3- اشتكى مواطنون جنوبيون لوكالة "رويتر" من أن حكومة جنوب السودان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي وتقودها الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة السابقة، كانت شديدة البطء في إحداث تغييرات بسبب الصراعات الداخلية في الحركة مما أحبط التقدم، وخصوصا هيمنة قبيلة "الدينكا" على الحكومة على حساب جماعات عرقية أصغر، واشتكوا من أن التقصير يرجع للفساد المنتشر في الجنوب وليس من حكومة الشمال في الخرطوم.
4- شكا جورج قرنق دنج المسئول بوزارة الإعلام من أن المجتمع الدولي -والدول الغربية خاصة- بطيئة التحرك نحو تحقيق التنمية؛ حيث إنه أخفق في توفير مئات الملايين من الدولارات التي وعد بها لتنمية الجنوب بعد اتفاق السلام، وهو ما أبطأ من وتيرة التنمية في جنوب السودان.
5- أكد وزير المالية والاقتصاد في الخرطوم (الزبير أحمد الحسن) حرص الحكومة على دعم التنمية والخدمات بالجنوب، ودلل على هذا بتوفير قروض بمبلغ 300 مليون دولار من الصين بضمانات من وزارة المالية القومية لتنفيذ مشروعات تنموية في الجنوب، بالإضافة إلى توفير 100 مليون دولار للخدمات الأساسية. ويبقى السؤال: هل انفصل جنوب السودان عن شماله؟ وهل هذا الانفصال وليد اتفاق السلام عام 2005؟ أم أن الجنوب لم ينفصل اليوم أو غدا أو في العامين الماضيين، لأنه ببساطة منفصل بالفعل عن الشمال منذ أكثر من 50 عاما دارت خلالها أنهار من الدماء بين الشمال والجنوب؟. تظل الإجابة هي ذات الإجابة التي يراهن عليها كل سوداني وعربي:
اتحاد الشمال والجنوب يعصم السودان من انفراط عقده؛ لأن فصل الجنوب سيكون مقدمة لفصل الغرب والشرق أيضا، واتحاد الشمال والجنوب معناه ضرب مخططات عسكرية واستخباراتية وتبشيرية أمريكية وأوروبية تراهن على نهب ثروات السودان، وعلى قطع العلاقة بين السودان (العربي المسلم) كنقطة تماس مع بقية أطراف القارة السمراء. | |
|